لماذا لن ينجح نهج "الحصن" الذي تتبعه أوروبا في معالجة أزمة الهجرة؟

  فيما بين يناير ونوفمبر 2015، وصل ما يقرب من 1.5 مليون مهاجر إلى الاتحاد الأوروبي عن طريق البحر المتوسط، واستمر هذا المعدل المرتفع من الهجرة عام 2016.
وقد قامت عدة بلدان أوروبية تابعة لسياسة الباب المفتوح سابقًا بتغيير موقفها تجاه اللاجئين والمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلي شواطئهم من أفريقيا. ويمكن تقسيم استجابة البلدان لهذه السياسة إلى قسمين
الأول:  يسعى إلى معالجة الأسباب الجذرية التي تجعل اللاجئين أو المهاجرين يفرون من بلدانهم الأصلية.

الثاني: يتضمن إقامة "حصن" حول أوروبا في هيئة سياسات قوية مضادة للهجرة. ولا شك في أنّ حصن أوروبا ليس وسيلة مستدامة للتعامل مع مشكلة الهجرة، وستظل محاولة أوروبا لمنع دخول المهاجرين تبوء بالفشل ما لم يتم الاستثمار من أجل تنمية البلاد التي يفر منها اللاجئون.والتغيير الرئيسي الآخر الذي يجب أن يحدث هو أنه يجب على أوروبا التوقف عن اتخاذ قرارات سياسية تضعف سياسة أفريقيا التنموية؛  حيث كانت اتفاقية دخول مصايد الأسماك الخاصة بالاتحاد الأوروبي مع دول غرب أفريقيا واحدة من الأمثلة على ذلك؛ مما أعطى القليل من المراعاة للتنمية المستدامة الخاصة بالدول الأفريقية المعنية. وقد وفرت هذه السياسة لسفن الصيد الأوروبية إمكانية الوصول إلى الموارد السمكية في غرب أفريقيا، مما أسفر عن وجود ممارسات الصيد غير المسئولة. في نهاية المطاف أعاقت تنمية صناعة صيد الأسماك في غرب افريقيا.
معالجة الأسباب الجذرية
   اللاجئون والمهاجرون إلى أوروبا من أصول أفريقية ومن الشرق الأوسط لديهم الدوافع العديدة لرحلتهم تلك المحفوفة بالمخاطر نتيجة الظلم الاجتماعي والثقافي والسياسي، وكذلك الظروف الاقتصادية المعاكسة والصراعات والحروب. يسعى الاتحاد الأوروبي لمعالجة هذه الأسباب الجذرية في قمة فاليتا للهجرة والمشتركة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا، لكن هذه المحاولات تبقى مجرد إثباتات سياسية.

وكان الإعلان السياسي وخطة العمل التي تم وضعها في قمة فاليتا غامضة وتُشكل إلى حد كبير التزامات متكررة قُدمت في ندوات سابقة، حيث شمل ذلك إعلان عام 2014 بشأن الهجرة والتنقل وخطة عمل أديس أبابا لعام 2015، لم يتم تنفيذ هذه الخطط بشكل كبير، والبعض يثير الجدل حول فشلهم التام في تنفيذها.  ويبقي السبب الجذري وراء فرار اللاجئين والمهاجرين دون معالجة ولاتزال عمليات الهجرة إلي أوروبا مستمرة. لذلك لجأت الدول الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة تخلق حواجز مادية ضد المهاجرين. ومن الأمثلة على ذلك، إقامة سياج من الأسلاك الشائكة في المجر لمنع دخول المهاجرين. كما تسعي إلي رصد هذا السياج من قبل 3000 عنصر من "الصيادين علي الحدود" والتي ستدعم حوالي 1000 عنصر من أفراد الشرطة والجنود الذين يقومون بالفعل بدوريات.
 وقد أسست دول الاتحاد الأوروبي وكالة حرس الحدود الأوروبية وخفر السواحل لتأمينها وحمايتها من أعداد اللاجئين والمهاجرين الهائلة، فلم يمنع أي منها المهاجرين عن مواصلة محاولاتهم للعبور داخل أوروبا، كما أعلنت المفوضية السامية الأمم المتحدة لشؤن اللاجئين أنه من المتوقع أن يكون عام 2016 هو الأكثر دموية بالنسبة للاجئين والمهاجرين. ففي أكتوبر بلغ عدد الضحايا حوالي 3700 شخص في محاولة لعبور البحر المتوسط.  فبشكل أكثر وضوحًا؛ إقامة حصن حول أوروبا لا يجدي نفعًا!!
فالنظام التقييدي يجعل اللاجئين والمهاجرين يلجأون إلي وسائل بائسة وغير قانونية لدخول أوروبا. ففي الغالب يدخلون عن طريق مهربي البشر. فقد فعلها البعض ليتم القبض عليه أو ترحيله. فدائرة الخطر لمحاولة الوصول إلى أوروبا تبدأ من جديد.

نحو نظام مستدام إنّ وضع الحواجز المادية ضد المهاجرين يتناقض مع التشريعات والسياسات التي سنّها الاتحاد الأوروبي على مر السنين للترحيب بالمواطنين غير الأوروبيين واستيعابهم. ويمكن أن يكون هناك بعض البدائل: 
أولًا: يمكن للاتحاد الأوروبي إعادة النظر في سياساته الصارمة واستيعاب المهاجرين، فمن الممكن أن تساهم هذه الأفراد في اقتصاديات الاتحاد الأوروبي؛ ومن الممكن أن تساهم أيضًا في اقتصاديات بلدها عن طريق التحويلات المالية، وهوما يقلل من تدفقات المهاجرين. 
ثانيًا:  يمكن تقليل هذه الأعداد، إذا تحول التركيز من محاولة منع دخول المهاجرين إلى دعم المشاريع التي تساعدهم على البقاء في أوطانهم. فينبغي توجيه الأموال المتعهد بها في قمة فاليتا نحو هذه المبادرات.
فالقضية أنه بحلول يونيو 2016 سيكون الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء قد أنجز حوالي 4.5%  من الميزانية الأولية للصندوق الاستئماني البالغة 1.93 مليار دولار.

ثالثًا:  يجب على الاتحاد الأوروبي أن يضمن أن سياساته غير التنموية لا تقوّض السياسات التنموية في أفريقيا؛ 
فالسياسة الزراعية المشتركة للاتحاد الأوروبي تعد واحدة من الأمثلة على ذلك، فهذا يخلق تشوهات في الأسواق العالمية بسبب إعانات الإنتاج والتصدير المقدمة للمزارعين الأوروبيين. فلا يستطيع المزارعون الأفارقة التنافس مع نظرائهم الأوروبيين، حيث يصبح عملهم أكثر صعوبة لأن منتجاتهم من المتوقع أن تمتثل للمعايير البيئية والصحية الصارمة لدخول السوق.
  فالتهديد الذي يهدد سبل معيشة الناس ناتج عن تفكك هذه السياسات تاركًا لهم خيارات أقل من بينها الهجرة إلى "مزارع أكثر اخضرارًا".
حيث إقامة حصن لا يهمل الأسباب الجذرية للهجرة فحسب، بل يُعد انتهاكا للمبادئ الأساسية المتعلقة بحق الانتقال؛ حيث تنص المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 على أن لكل فرد الحق في حرية التنقل والإقامة داخل حدود كل دولة وحرية مغادرة أي بلد.

   كما ينبغي أن يبدأ تنفيذ القرارات المتخذة في مؤتمرات قمة الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا وذلك عن طريق اتخاذ إجراءات عملية مع وجود التمويل المتاح. فلا ينبغي أن تكون قائمة علي التعهدات. كما أن إعادة التدوير الظاهرة لخطط العمل والإعلانات تشير إلى عدم وجود توافق في الآراء بين الأطراف، خصوصًا الدول الأفريقية.
  
 فلن تبدأ القارتان على حد سواء بمعالجتها على نحو هادف إلا من خلال توافق جيد في الآراء بشأن أفضل السبل لمعالجة مشكلة الهجرة.

الرابط مصدر المقال

esraa elenany

esraa elenany

مترجمين المقال