الناخبون الكينيون يحتاجون إلى مقاومة إغراءات التصويت للمشبوهين المعتادين

   تميل الديموقراطية الوليدة بأفريقيا إلى مواجهة تحولات جذرية دورية بين ازدهار الديموقراطية وركودها، مما يشير إلى أن العملية الديمقراطية مازالت ضالة في في أحد أجزاء تلك القارة.

  ومع ذلك، حتى في الأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية هناك عناصر من الديمقراطية، والعكس أيضًا صحيح فهناك عناصر استبداد حتى في الدول الديموقراطية. وكبرهان على ذلك يمكن أن نراه في الصراعات الديمقراطية القائمة حاليًا في كل من تانزانيا وزيمبابوي وأوغاندا وأفريقيا الجنوبية على سبيل المثال لا الحصر. حيث يشير الكينيون بشكل عاطفي إلى المعاير الذهبية والتي أقرها نظام اقتراح الخاص بعام 2002 لتطبيق انتخابات ناجحة، وشهدت تلك الفترة في تاريخ البلاد عهد سياسي جديد، والتي مهَّدت الطريق لإصلاحات كبيرة والتي توجت في نهاية المطاف في عام 2010 بتمرير دستور جديد لهذا العام

استطلاع رأي قامت به مؤسسة غالوب الدولية للبحوث والإحصاء في عام 2003 والذي صنف الشعب الكيني كأكثر الشعوب المتفائلة في العالم، ولكن هذا الفرح لم يدم طويلاً!
 
ففي عام 2008 تراجعت كينيا عن مكاسبها الديموقراطية تلك عندما وقعت مناطق من البلاد في فخ الفوضى والتي حلت في أعقاب نزاعات نتائج الانتخابات. قتل أكثر من 1000 شخص وأكثر من نصف المليون شخص تم تهجيرهم.
في عام 2013 تمكنت الحكومة من احتواء كارثة سياسية وشيكة الحدوث على الرغم من أنَّ الانتاخبات تم تخريبها بالممارسات الانتاخبية الخاطئة.
 وزعمت المعارضة أن في عامي 2007 و 2013 لم تعكس نتائج الانتخابات الإرادة الحقيقية للشعب، والذي وضع البلاد من ذلك الحين في استقطاب حاد.

فرصة أخرى للتغير:
 
  15 عاما بعد عام 2002 أصبحت كينيا على أعتاب صحوة ديمقراطية أخرى في مقدمة انتخبات شهر أغسطس القادم لعام 2017؛ حيث أصبح للناخبين دورًا حاسمًا في سير العملية الانتخابية بالتأكد من أنَّ القادة الذين تم انتخابهم سيلتزمون بالقيم الحسنة في الحكم. إذا تم تسوية هذه الأهداف سيتم تمكين الناخبين من إنتاخب قادة جدد. ولكن أنماط الاقتراع في كينيا برهنت على أن الأمر لا يدور حول هذا الأمر في أغلب الأحيان.

  كما أنَّ الناخبين الكينيين حذرون من دورهم المحوري في سير العملية الانتخابية، ولكنهم يمليون إلى تحجيم اختياراتهم ضمن شبح القبلية والكليبتوقراطية -نظام حكم اللصوصو القائم على سرقة الدولة لأموال الشعب- والطائفية الفردية. وتدعم القبلية الكليبتوقراطية خاصةً حينما يشتكي المواطنون من أن مجتمعاتهم تتعرض للخداع حيث أن قبيلتهم السياسية متورطة في عملية كسب غير مشروع. 

 وبينما كان الكينيون على استعداد بالترحيب بالتغير في القواعد الشعبية من خلال رفض بعض المرشحين المفضلين المنتمون للأحزاب في صناديق الاقتراع، يبدأوا أن الناخبين قد ركنوا إلى مربع الراحة والذي أدى بدوره إلى خلق فجوة في الحكم. وكنتاج لذلك، أصبح للزعماء المقدرة على إعادة تشكيل اللعبة السياسية بحيث يتمكنوا من النجاح في إعادة الانتخابات من خلال المنتخبين السُذج. والذي بدوره إلى دلَّ على قدرة السياسيون الهائلة على إعادة إحياء حياتهم المهنية السياسية.

إعادة إنتخاب الزعماء:

فهناك مجموعة كبيرة من الانجازات المهمة والتي أفردها رئيس البلاد أوهورو كينياتا خلال خطابه الأخير الموجه للأمة، ولكن بالرغم من كل تلك الانجازات ولكن ستظل كينيا في مأزق بالكثير من الوعود التي لم تحقق بما في ذلك مشروع المليون فرصة عمل للشباب وتحقيق الرعاية الصحية الشاملة.
 
  وهنا انقسم الكينيون إلى فصيلين: أحدهم يحمل السياسيين اللوم فيما يتعلق بتلك الأمور، أمَّا الفصيل الآخر فيرى أنه يجب على الناخبين الإنزياح إلى ما وراء تلك النزاعات العرقية وأن يتفاعلوا مع تلك القضايا من أجل الوصول إلى إدارة صحيحة. والمثير للدهشة أنَّ المستوى الأعلى الوعي السياسي والمشاركات المدنية النشطة ناقضت الفكر القائم بأنَّ الكينيين مازالوا على عهدهم في إعادة انتخاب الفئة ذاتها من السياسيين. حتى أنه مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في الثامن من أغسطس، يشعر الكينيين أن كل من الحكومة والمعارضة يكادا لا يقدما شيء يذكر عن طريق جلجلة الوضع الراهن.

  ويشعر الكينيون بالتشائم إزاء قلة عدد المرشحين المناسبين على جانبي الانقسام السياسي بالإضافة إلى مدى خطورة أن عواقب الانتخابات من المرجح أن تأتي في صالح مرشح فائز مسبقًا.
ولكن في يوم الانتخابات هناك احتمالية كبيرة بأن يتحدوا المنطق مرة أخرى ويبرهنون بقدرتهم المبهرة على خروجهم من سياسة القطيع بالتصويت على أسس ومرجعيات عرقية. ومن المسلم به أن هيمنة الأحزاب السياسية المنتخبة يمكن أن يحد من الخيارات المتاحة ويقف عائقًا في وجه أي تقدم ديموقراطي.

هل الكينيون مستعدون لكسر التقاليد؟

  وبأخذ كل الحسابات في الإعتبار، هل سيكون هناك إمكانية أن يتم تحفيز الكينيون للإدلاء بأصواتهم الانتخابية للتصويت لأشخاص ذوي ثقل سياسي وشعبية أقل؟ ربما، ولكن يمكن لبعضٍ من هؤلاء الساسة الغير معروفين من النجاح مؤسسات نخبوية حسنة السمعة ومحاربة القبلية. لذلك فهم لا يملكون عوامل الجذب لأغلب الكينيين.
الكينيون بحاجة إلى زعيم على انسجام فيما بينهم، ولكن يكون في الوقت ذاته متماشي معهم على خطى طوحاتهم. ولكن بعض الزعماء الأقل تأثيرًا يتخلى عن داعميه عندما يتعرضون للفشل. وفي غضون هذا السيناريو قطعت التحركات العرقية القبلية كل الطريقين. فالقادة الذين يتبنون المثل الوطنية يتم احتجازهم كرهائن من قبل الناخبين القبليين ولا يجبرونهم فقط على التخلي عن خلفياتهم الغير قبلية فحسب وإنما أيضًا عن مبادئهم التي يدعمونها. وهذا بشكل غير متوقع يعيد كلا الزعماء والناخبين مرةً أخرى إلى مربع التصويت التقليدي العرقي.

  في الحقيقة حتى في هذة اللحظات الفارقة فإن توقع فوز الساسة المشبوهين المعتادين من فريق الحكومة أو المعارضة ليس بمستبعدًا.
لقد برهنت التجربة الكينية على أن العملية الانتخابية من الممكن أن تكون مدمرة للتقدم الديمقراطي. وكأداة لإضفاء الشرعية للحكومة، قدمت الانتخابات في بعض الأحيان كينيا إلى لحظات من التقدم الديموقراطي، والتي لم تدم طويلًا.
وفي حين أن هناك عدة عوامل هيكلية مسؤولة عن الركود الديمقراطي الحالي، فاللوم على السياسيين لن يصلح الوضع السياسي. 

فالوضع بحاجة إلى تحول فكري. فالكينيون يحتاجون إلى مقاومة جاذبية وراحة المعايير السياسية السائدة!!

  ولعل استجواب وإعادة فحص القيم الديمقراطية الفردية سيساعد كثيرا على استعادة المعايير الذهبية لعام 2002 ووضع الكينيون مرة أخرى على المسار الصحيح. ولحين يحث هذا سيظل الكينيون والسياسيون الذين يتم انتخبهم أقارب ولكن لا يعرفون بعضهم البعض.
 

الرابط مصدر المقال

محمود الدعوشي

محمود الدعوشي

مترجمين المقال