تعرف على الرحلة الطويلة والغريبة للأكياس البلاستيكية.

الأكياس موجودة في كل مكان. ولكن من أين تأتي؟
أولاً وقبل أي شيء، يُحتمل وجود حقيبة تسوق مليئة بأكياس التسوق البلاستيكية المتراكمة في الخزانة تحت حوض الغسيل الخاص بك. فنحن نستخدمها لنقل البقالة والوجبات الجاهزة، وتبطين سلال القمامة الصغيرة، وأيضاً تغطية رؤوسنا لحمايتها من الأمطار. وبالتأكيد هذه الأكياس متعددة الأستعمال؛ تساعدنا في التخلص من المواد التي لا نرغب فيها، مثل فضلات كلب على الطريق، والقاذورات، وحاويات اللحم النيئة.

لكن ماذا يحدث عندما لا نريدها وأين ينتهي بها الأمر؟ من أين تأتي هذه الأكياس في المقام الأول؟ وكيف يمكننا منعها من تلويث المحيطات؟
أكياس التسوق والمواد البولي إيثلية تجتاز رحلة طويلة جداً في مسارها إلى منازلنا. تقوم المصانع بمعالجة المواد وغالباً ما تتم كل خطوة في موقع مختلف. ثم يقوم تجار الجملة بتوزيع الأكياس الجاهزة بكميات كبيرة إلى الامتيازات الكبرى، والمحلات الصغيرة. 

يستخدم الناس في جميع أنحاء العالم حوالي تريليون قطعة من الأكياس البلاستيكية بما في ذلك أكياس التجزئة، وفقا لمنظمة حماية البيئة الأمريكية. يستخدم الشعب الأمريكي ما يزيد عن ثلاثمائة مليار قطعة من الأكياس البلاستيكية والمناديل الورقية سنوياً، وفقاً لمنظمة حماية البيئة الأمريكية، وفقط خمسة بالمائة يتم إعادة إستخدامها. 

 بعد أن نستخدم الأكياس، يواجه كل منها مصيرًا غير مؤكد. هل سوف تصبح محشوة بالمخلفات حتي تتراكم أكوام االقمامة؟ هل ستنزلق في الشارع وتغلق شبكة الصرف الصحي وتتسبب في إغراق الشوارع؟ هل سوف تتطاير مع الرياح حتى ينتهي بها المطاف في المحيطات، فتؤدي إلي إختناق السلاحف البحرية؟ أو هل ستصل إلى سلة إعادة التدويرفي السوبرماركت وتعيش حياة جديدة كبطانة لسلة القمامة، أو قطعة أثاث متين، أو مشغولة مصنوعة يدوياً تستحق الاهتمام؟

ولكن من أين تأتي؟
على الرغم من انتشارها، لا تشكل الأكياس البلاستيكية سوى حوالي 3 ٪ من إجمالي استخدام البلاستيك، وفقا لمؤسسة إلين ماك آرثر. إنها نسبة صغيرة ولكنه حجم ضخم من البلاستيك. تشكل الأكياس البلاستيكية الرقيقة ذات المقابض التي تحصل عليها في ممر الخروج من السوبر ماركت جزءاً واحداً فقط من صناعة الأكياس. تعرف الأوعية المألوفة باسم أكياس التسوق المصنوعة من البولي إيثيلين أو أكياس البولي، ولديها دورة حياة تعتمد على الوقود الأحفوري.

 تبدأ أكياس التسوق البلاستيكية أو أكياس البولي كجزيئات من الإيثان، وهو منتج ثانوي لإنتاج الغاز الطبيعي، والتي يتم تسخينها عند 1500 درجة فهرنهايت في "مصنع التكسير"  ويسمى بذلك لأن الحرارة الشديدة تدفع الجزيئات إلى "التكسير" وتشكيل مواد جديدة، بما في ذلك غاز الإيثيلين.
يتم نقل غاز الإيثيلين عبر خط أنابيب إلى منشأة أخرى، حيث يحول الضغط والمعالجة الغاز إلى سلسلة من الجزيئات تسمى البوليمر، والبولي إثيلين هو نوع منها. والحبات الصغيرة من راتنجات البولي إثيلين هي اللبنات الأساسية لأكياس التسوق البلاستيكية. ويشتري المصنعون بملايين الجنيهات راتنجات البولي إيثيلين كل يوم، غالبًا من المناطق التي ينتشر فيها إنتاج النفط والغاز، مثل شرق تكساس ووسط بنسلفانيا.

عندما ضرب الإعصار هارفي منطقة هيوستون، أغلقت ثمانية شركات مصنعة قادرة على إنتاج حوالي 900 مليون رطل من الإثيلين في الشهر أي 30 مليون جنيه إسترليني في اليوم؛ عملياتها، وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء التجارية PetroChemWire

 تباع أشكال مختلفة من راتنجات البولي إثيلين بسعر يترواح ما بين أثنين إلي خمس سنتات للرطل الواحد.  تنقل الشاحنات والقطارات وسفن الشحن الراتنجات إلى المرحلة التالية من العملية، حيث تصل الماكينات التي تدعى الطاردات إلى درجات حرارة تصل إلى خمسمائة درجة فهرنهايت وتشكل البلاستيك في صورة شفافة تشبه البالون في عرض مابين أثنين إلى عشرة آلاف جزء من البوصة. بعد ذلك، تضغط أسطوانات كبيرة الأنبوب من كلا الجانبين مثل القشرة من أجل تسطيحها.
 ثم يتم تقطيعها إلى قطع قبل أن يتم لفها ونقلها إلى المرحلة التالية من التصنيع. تأخذ القشرة النهائية رحلة أخرى، هذه المرة إلى المُصنعين وتجار الجملة الذين يقومون بتشكيلها في أكياس، وطباعة الشعارات والرسائل، وتوزيعها على مجموعة من نقاط البيع.
 ويتطلب عدد سكان مدينة نيويورك -التي يزيد عدد سكانها عن 8 ملايين شخص- الآلاف من المحلات التجارية ومطاعم الوجبات السريعة وعربات الفواكه ومحلات البقالة لتلبية احتياجاتها الغذائية.
وكل بائع يحتاج إلى الكثير من الأكياس. ولتوفير هذا، تقوم عشرات من شركات تصنيع أكياس التسوق بتفصيل الخريطة في مدينة نيويورك وحولها، حيث يتركز العديد منها في شمال بروكلين. مثل "Star Poly"  في شرق نيويورك، وهو حي في شمال شرق بروكلين. يعمل في المصنع أكثر من عشرين عاملاً محليًا يقومون بتصنيع "ملايين كثيرة" من الحقائب كل عام، حسبما قال مديرة التسويق شايا غرينفيلد.

وعلى الرغم من كمية الأكياس التي تنتجها الشركة، إلا أن "Star Poly" لا تزال تعتبر شركة صغيرة. وقال أيضاً: "في هذه الصناعة، العديد من الشركات المتخصصة هي شركات صغيرة و مليون قطعة من الأكياس ليست كمية كبيرة". "فكر في مخبز يحتوي على 20 موقعًا ويبيع 1000 خبز في كل موقع يوميًا. وهذا يعني إنك ستحتاج إلى 20000 حقيبة يومياً. وتعمل الشركة بشكل وثيق مع مصنع طارد في نيو جيرسي كجزء مما قالته جرينفيلد بأنها شراكة حاسمة في هذه الصناعة.

ونظرًا لأن كل عميل من عملاء  "Star Poly" يحتاج إلى نوع مختلف من الأكياس؛ يجب على الشركة المصنعة والشركة الطاردة أن يتميزان بالمرونة، لتلبية مواصفات السلامة وطلبات التصميم على حد قول جرينفيلد.وقالت غرينفيلد: "إن الشركة الطاردة هي شريكك في العمل". "إنها ليست مجرد علاقة مورد عادية".

وقالت: إن الشركة تخدم مجموعة واسعة من العملاء، من المرافق الطبية إلى محلات الأمهات والموالين، وكل عميل لديه متانة وحجم واحتياجات عمل مختلفة. وأيضاً: "لا تبدو الشركة مثل شركة أكياس". "إنها مثل شركة الطباعة". بعض المواد التي يبيعونها مصنوعة من الأكياس البلاستيكية المعاد تدويرها. لكن كل عبوات الطعام مشتقة من البلاستيك البكر بسبب اللوائح الصارمة بشأن استخدام المواد المعاد تدويرها في صناعة عبوات الطعام. تحظر إدارة الغذاء والدواء استخدام المواد البلاستيكية المعاد تدويرها في إنشاء عبوات الطعام إلا من قبل الشركات التي تقدم طلبًا للحصول على موافقة خاصة من إدارة الأغذية والعقاقير (FDA). يجب على المصنعين تفصيل عملية إعادة التدوير وإظهار كيفية إزالة الملوثات.

 ما مصير الأكياس؟
لا يمكن إعادة تدوير الأكياس البلاستيكية مع باقى منتجات البلاستيك المراد إعادة تدويرها أيضاً كعلب الصودا مثلاً لأن هذا بدوره يعطل الآلات و 5% فقط من الأكياس يتم تدويرها على أى حال. فلذلك تم إنشاء أنظمة وحدات مستقلة كلياً للتعامل مع الأكياس البلاستيك كمخلفات. وحتى وقت قريب كانت الشركات تكافح لإعادة تدوير الأكياس البلاستيكية بشكل مجزء بسبب مشكلة الإيصالات الورقية.
قال فيل روزنسكي، مدير الاستدامة لدى شركة تصنيع الأكياس البلاستيكية نوفوليكس، كانت هناك مشكلة تلوث". "ربما واحدة من كل خمس أكياس تسوق  تحتوي على إيصال، ولا يمكنك الدخول إلى كل حقيبة والحصول على الإيصالات منها". ونتيجة لذلك، يتم تجاهل دفعات هائلة من الحقائب.
أخيرًا صرح روزنسكي؛ أن الشركات المصنعة توصلت إلى حل يتمثل فى إسقاط رزم ضخمة من الأكياس في براميل من المياه لفصل الورق عن البلاستيك. فيُغمر الورق المشبع بالمياه بسرعة بينما يطفو البولي إيثيلين بشكل واضح. وبكونها خالية من الأوراق تتجمع الأكياس ثم تجفف بالهواء بعد ذلك يتم تحويلها إلى أجزاء صغيرة تشبه رقائق الثلج، بعد ذلك يتم صهر هذه الأجزاء ليُعاد استخدامها مرة أخرى. فيمكنك إعادة هذه العملية قدر ما تشاء من المرات، وعلى الرغم من أن الاحصائيات حول النسبة المئوية للأكياس التي يتم إعادة تدويرها تتفاوت، إلا أن شركات البترول والغاز بجانب الحكومات المحلية قد ناصرت برامج تهدف إالى رفع كفاءة إعادة تدوير الأكياس البلاستيكية.
وبالعودة إلى نيويورك، فإن قانون الولاية يطلب من جميع سلاسل المتاجر والموردين الكبار الذين يوفرون أكياس بلاستيكية للزبائن وجود حاويات لإعادة تدوير الأكياس. كما يتطلب الوضع ايضاً بولاية نيويورك أن تؤسس مولات التسوق الكبيرة برامجاً خاصة بها لإعادة تدوير الأكياس، فوجود الحاويات المصممة خصيصا لإعادة تدوير الأكياس يمنع اختلاطها بمخلفات اخرى والذى قد يسبب أزمة.
ويقول روزنسكي: إنه لمن المهم تعليم الناس كيفية معرفة طبقات البلاستيك التى تستدعى إعادة التدوير، فلا أحد يرغب في توقف إعادة تدوير الأكياس البلاستيكية فقط لأنها تتسبب بخروج الماكينات من العمل.
 محاولة منع التلوث البلاستيكى.
على الرغم من مكاسب إعادة التدوير، فقد استثمر المصنعون الكبار ما يقرب من 200 مليار دولار لبناء مصانع جديدة، والتى تنتج كتل ضخمة من البلاستيك، لزيادة الطلب على البلاستيك  وخاصة فى الهند و الصين، وتتوقع تقارير بلومبرج والخبراء أن يزيد إنتاج البلاستيك حوالى 40% بحلول العقد القادم.
"وفي ظل وجهة نظرنا الحالية، ما زلنا نرى نمو الطلب العالمي على مدار العام لفئة الشرائح الرقيقة من البلاستيك على مستوى العالم "، كما قال جويل موراليس جونيور.
 ستنتهي الغالبية العظمى من الأكياس البلاستيكية الحالية والجديدة في مكب النفايات، المنتشرة فى أرجاء النظام البيئى للأرض وأيضاً في بحيرات وأنهار ومحيطات العالم، مما يتسبب في ضرر مباشر للحياة البرية. لقد ازداد الوعي بالفضلات البلاستيكية في البيئات البحرية عبر السنوات الأخيرة بشكل كبير حيث أصبحت المشكلة تتطلب التركيز الشديد، فحوالي 8 ملايين طن من النفايات البلاستيكية يُزج بها فى المحيطات كل عام، وهو يشبه إلقاء شاحنة جمع القمامة مليئة بالبلاستيك فى المحيط كل دقيقة،وهذا يعني أنه على الرغم من الجهود الحالية للحد من استخدام الأكياس البلاستيكية وإعادة تدويرها  فإن مشاكل النفايات البلاستيكية الحالية ستزداد سوءًا فقط دون اتخاذ إجراءات جذرية.
وقال كارمنو فيلا، وهو مفوض في مؤسسة إلين ماك آرثر، إن إحضار الأسماك إلى البيت في كيس بلاستيكي هذا العام واحدة ثم إحضار هذه الحقيبة البلاستيكية إلى مكان آخر في داخل سمكة العام التالي، هوالواقع ففي البداية والنهاية يتم تحدي الوضع الراهن للبلاستيك.
اقترحت الأمم المتحدة مؤخراً حظراً عالمياً على التلوث البلاستيكي الذي يدخل المحيطات، وتخطط كندا لتقديم اقتراح مماثل في اجتماع G7 في وقت لاحق من هذا العام وأيضاً مجموعة من الحكومات المحلية والولائية والفدرالية حيث يستهدفون جميعهم فرض حظر شامل وموجه على استخدام البلاستيك.
ففى بوتان بدأت وزارة الطرق بإعادة تدوير البلاستيك لتمهيد الطرق الرئيسية، وفى كندا يقوم المصنعون بتحويل البلاستيك المُعاد تدويره إلى أثاث وممرات للتمشية، كما سنت تايوان حظراً على الأكياس البلاستيكية إلى جانب أنواع أخرى من البلاستيك. كما هو الحال مع جميع المواد فإن تقليل الاستهلاك هو أفضل طريقة لضمان خفض خطورة هذا التلوث كما يقول قادة البيئة.
لكن تقليل الاستهلاك الفردي يمكن أن يكون تحديًا لأن أكياس التسوق البلاستيكية رخيصة ومناسبة للغاية. فيمكنك الحصول على حزمة من 900 على موقع أمازون مقابل 17.66 دولار فقط 2 سنت لكل الحقيبة. أو يمكنك طلب 1 مليون كيس بحوالي 70,000 دولار .
وهكذا في العديد من الحالات، أنشأت الحكومات قوانين لتشجيع تغيير السلوك، ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال انخفض استخدام الأكياس البلاستيكية بشكل ملحوظ بعد أن فرضت الدولة ضريبة صغيرة على كل حقيبة جديدة.
وقال وزير البيئة البريطاني تيريز كوفي لصحيفة الجارديان: "هذا يوضح أن الإجراءات الصغيرة يمكنها أن تحدث فرق أكبر، ولكن لا يجب أن نكون راضين عن  أنفسنا حيث أنه يوجد دائماً المزيد مما يمكننا القيام به لتقليل النفايات وإعادة تدوير ما نستخدمه".

مراجعة مروة محمود محمد.

الرابط مصدر المقال

Khaled Mabruk

Khaled Mabruk

مترجمين المقال
Roberto Nasser

Roberto Nasser

مترجمين المقال