الايثانول من قصب السكر : قصة نجاح الوقود الحيوي البرازيلي

أثر الصناعة الناجحة للإيثانول من قصب السكر بالبرازيل على زيادة الاستثمار في البنية التحتية والأبحاث ، تقرير كارلا ألميدا.

منذ ثلاثين عامًا، عندما كان يُقدر ثمن اللتر الواحد من الإيثانول أكثر بثلاثة أمثال من سعر اللتر الواحد من البنزين، و لم تهتم معظم الدول بالاستثمار فيه كوقود حيوي، لكن البرازيل انتهجت هذا المسار، والآن تنتج البرازيل أرخص إيثانول في العالم.

ولقد كان ضروريًا لتطوير هذا القطاع استغلال ظروف البرازيل المناسبة وتقليد زراعة قصب السكر المادة الخام الأكثر فعالية لإنتاج الإيثانول.

لكن الاستثمارالحكومي الهائل في البنية التحتية، والأبحاث بين عامي 1975 و 1989 سمحا  للدولة بأن تكون رائدة في سوق الإيثانول.

خبرة رائدة

بدأت صناعة الإيثانول في البرازيل في الثلاثينيات من القرن الماضي، وبكمية من السكر أكثر  من الممكن استخدامه وجهت الحكومة قصب السكر إلى إنتاج الإيثانول، وألزمت بإضافة الإيثانول إلى البنزين.

ولكن في عام 1973 تقدمت الصناعة حقًا، وضاعفت أزمة عالمية للنفط من إنفاق البرازيل على واردات البترول مما أجبر الحكومة على النظر في مصادر بديلة للطاقة لتقليل اعتمادها وإنفاقها على الوقود الحفري.

وأخذًا بذلك في الاعتبار، أطلقت الحكومة البرنامج الوطني للكحول (Pro-Álcool) في عام 1975 لتزيد من إنتاج الإيثانول كبديل للبنزين.

واستثمرت الحكومة في زيادة الإنتاج الزراعي، وتحديث وتوسعة مصانع التقطير، وإنشاء مصانع إنتاج جديدة، كما قدمت أيضًأ الإعانات لخفض الأسعار وتقليل الضرائب على منتجي الايثانول.

وعلي مدار الخمسة عشر سنة اللاحقة، ازداد إنتاج الإيثانول بشكل هائل من 0.6 مليار لتر في عام 1975 إلى 11 مليار لتر في عام 1990.

وخلال المرحلة الأولى من البرنامج في 1975-1978، كان يتم إضافة جزء واحد من الإيثانول إلى أربعة أجزاء من البنزين، كما كانت هناك مرحلة معالجة إضافية لإزالة الماء من الوقود.

وبحلول عام 1979، تم تنظيم الإنتاج ليركز علي الإيثانول المائي (مخفف بالماء بنسبة 5%) والذي يمكن استخدامه في السيارات التى تزود بالكامل بالإيثانول.

وقام الباحثون في القيادة العامة لتكنولوجيا الفضاء، مركز الأبحاث الوطني للطيران والطيران الفضائي في ساوباولو، بتطوير سبائك لحماية الأجزاء الداخلية من المحركات التى تعمل بالبنزين وخزانات الوقود من التآكل بالإيثانول، وفي ذروة البرنامج في الفترة من 1986-1989، كانت 90 % من المركبات الجديدة المُباعة بالسوق المحلي تعمل بوقود الإيثانول.

يقول روبرتو شيفر، وهو أستاذ إدارة وسياسة الطاقة في الجامعة الاتحادية في ريو دي جانيرو، أن خلق السوق كان "جهدًا وطنياً هائلاً " احتاج للكثير من الاستثمار المالي، كما يُضيف قائلاً :"تم انتقاد الحكومة في ذلك الوقت، لكن في الحقيقة إنه كان مشروعًا ناجحًا".

العلم وراء الانجاز

يقف وراء نجاح البرنامج التقدم العلمي والتكنولوجي الهام في مجالي الزراعة و الصناعة.  

"كان إنتاج 40 طن من قصب السكر أكثر من الضعف" كما يقول شيفر، ويضيف: " كانت تجربة فريدة استثمرت فيها الحكومة والقطاع الخاص معاً في البحث وتحسين منتج معين".

وتأتي التطورات الرئيسية في البحث الزراعي من معهد كامبيناس الزراعي،  الذي كان يعمل على تحسينات قصب السكر منذ عام 1933، وكلية الزراعة لويز دي كويروز في جامعة  ساوباولو.  

وباستخدام تقنيات تربية تقليدية، أنتج الباحثون أصنافًا مكيفة على ظروف مختلفة للتربة والمناخ، مع دورات إنتاج أقصر، وعوائد أفضل، وتحمل لندرة المياه والحشرات (مثل الفطريات المدمرة التي سببت صدأ قصب السكر في الثمانينيات من القرن الماضي).

"توقع الباحثون العاملون في المنطقة ظهور الأمراض" يقول أوسكار برونبيك، أستاذ الهندسة الوراثية في جامعة ولاية كامبيناس، " لولا وجود أصناف محسنة وراثيًا من قصب السكر، لكانت هناك مشكلة كبيرة في القطاع".  

و في الانتاج، تم تطوير أنظمة طحن حديثة، وتم تكييف عملية التخمر لاستخدام الكائنات الدقيقة المختلفة والإنزيمات لإنتاج المزيد من الإيثانول بشكل أسرع.

كان مركز تكنولوجيا قصب السكر، معهد بحث ممول من القطاع الخاص في ساوباولو، عنصرًا رئيسياً في تحسين تكنولوجيا إنتاج الإيثانول باستثماره حوالي 20 مليون دولار امريكي في السنة في الأبحاث في ذروة البرنامج.

و قد ظهرت مشكلة في هذا الوقت، وهي مشكلة الفضلات. حيث تم تفريغ مخلفات التخمر، وهي سوائل كاوية تُنتج ثانوياً من تقطير الإيثانول، في الأنهار مسببةً تدمير بيئي، ولكن وُجد أنها يُمكن أن تُستخدم كسماد جيد. وفي الثمانينات، طور برونبيك وفريق من مركز تكنولوجيا قصب السكر نظام نقل، يتضمن مجموعة من الشاحنات، الأنابيب، والقنوات لحمل هذه المخلفات من معامل التقطير إلى الحقول.  

ووجد الباحثون في المركز ومعاهد أخري طرقاً لاستخدام الألياف المتبقية من قصب السكر المعروفة بـ ( التفل) لإنتاج الطاقة، والاعتماد علي الطرق الموجودة لحرق التفل لتزويد التوربينات البخارية بالطاقة لتوليد الكهرباء.

كما طوروا غلايات تحت ضغط كبير، حيث يمكن إنتاج طاقة أكبر، مما يسمح لكثير من مصانع الإيثانول أن تكون ذاتية فيما يخص الطاقة ، مما ساهم بشكل كبير في خفض تكلفة إنتاج الإيثانول.

تقنيات جديدة ، طلب جديد

مكنت البنية التحتية المُطورة والتحديثات التي حٌققت البرنامج من البقاء في فترة مضطربة في نهاية الثمانينات، حين خفضت الحكومة من الاستثمار العام بعد انهيار في أسعار النفط، وأدت أزمة توفير السكر إلى تحويل موارد قصب السكر إلى إنتاج السكر بدلًا من الإيثانول، وعلى الرغم من أنه كان لهذا تاثيراً قصيرَ المدي، إلا أن الطلب ظل عالياً وتم تداول ما يُقرب من خمسة مليون سيارة تُزود بالإيثانول في التسعينيات.

الآن البرازيل هي ثاني أكبر منتج للإيثانول في العالم (20 مليار ليتر) بعد الولايات المتحدة  (24 مليار ليتر)، وما يُقرب من 80% من هذا مخصص للسوق المحلي، فالوقود المستخدم في 45% من المركبات البرازيلية هو الإيثانول.

يعود جزء من هذا الطلب إلى نجاح السيارات المرنة الوقود، والتى يُمكن أن تعمل على البنزين، أو الإيثانول، أو خليط منهما، و التى طورها المهندسون في شركة بوش(Bosch) الألمانية في ساوباولو، وتم إصدارها في عام 2003، ويعمل المحرك بشكل مختلف معتمدًا على كمية الأوكسجين المُنتجة من نوع الوقود المحترق، والذي يُقاس بجهاز استشعار.

جددت السيارات المرنة الوقود من اهتمام المستهلك بالإيثانول، وزودت الطلب علي الوقود الحيوي للإيثانول، وتبعاً للجميعة الوطنية البرازيلية لمصنعي السيارات (انفافي)، فإن 85% من السيارات-حوالي أربعة مليون مركبة- التى تُباع في البرازيل اليوم هي مرنة الوقود.

يقول ألفريد سزوارك مستشار اتحاد صناعة قصب السكر: " كانت هناك قفزة أخري في الطلب علي الإيثانول"، ويضيف:" زودت السيارات المرنة الوقود من الاستهلاك، ونلاحظ نمواً في هذا السوق".

و لقد ألهم نجاح الوقود المرن والحاجة للتقليل من انبعاثات الكربون البحث عن تطبيقات جديدة للايثانول، ولقد طور الباحثون في مركز دلفي للتكنولوجيا في ساوباولو نظام وقود للدراجات النارية، والتى يمكنها أيضًا أن تستخدم خليط الإيثانول-البنزين بأي نسبة.

كما تم تطوير أول حافلة مزودة بالإيثانول في جامعة ساوباولو، وستخضع لاختبارات الطرق في ديسمبر لاختبار صلاحيتها الاقتصادية، كما تمتلك شركة الطيران البرازيلية "أمبرير" طائرة زراعية أحادية السطح تُزود بالإيثانول و تعمل منذ عام 2004.

يقول برونبيك: "خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة، ما فعلناه هو أن أصبحنا محترفين في استخدام تكنولوجيا الإيثانول" ، ويُضيف:  "من الآن فصاعدًا، نحتاج أن نطور تقنيات جديدة لنحافظ علي ريادتنا في هذا القطاع".

تحديات جديدة

مع تصاعد الطلب العالمي على مصادر متجددة، تواجه البرازيل تحديات كثيرة إذا ما كانت ستستمر في صدارة سوق الإيثانول، أحد هذه التحديات هو زيادة إنتاجها الكبير بالفعل بدون دمار بيئي واجتماعي.

سيكون إنتاج الايثانول من تفل وقش قصب السكر خطوة في الاتجاه الصحيح، فهذه المكونات غنية بالسليلوز وتحويلها إلي إيثانول سيسمح باستخدام كامل الكتلة الحيوية لقصب السكر بدون فضلات، فمن الممكن أن ينتج طن واحد من التفل 86 ليتر من الإيثانول، لكن هناك شكوك حول الجدوى الاقتصادية  لهذه العملية، والتي تحتاج للمزيد من المياه،  وتنتج الكثير من المنتجات الثانوية الملوثة  مثل مخلفات التخمر.  

ومع ذلك لا يشكل الإنتاج الكبير للايثانول، ضمان تصدر السوق للبرازيل، أو نجاح صناعة الايثانول عالميًا.

تعرض البرازيل خبرتها للدول حول العالم خصوصاً الدول النامية التى تُنتج الوقود الحيوي لكنها ما تزال معتمدة علي النفط.

وتأمل البرازيل أيضًا في توسعة سوقها للإيثانول، يقول شيفر: "إنه اتفاق جيد للجانبين"، ويضيف: "فبالنسبة لمنطقة البحر الكاريبي أو إفريقيا، فإنه من الأفضل استيراد التكنولوجيا من البرازيل وتعلم كيفية إنتاج سلع خاصة بها بدلًا من استيراد النفط من الشرق الأوسط".

يقول خوسيه روبرتو موريرا، وهو باحث بجامعة ساوباولو ومستشار في مركزها المرجعي الوطني للكتلة الحيوية : "لدينا المعدات و القدرة الإدارية لتشغيل مصانع كبيرة والتكنولوجيا في كل من المرحلة الصناعية والزراعية"، ويضيف قائلًا: "من السهل أن تبدأ مشروع ايثانول في بلد اخر بهذه المعرفة".

وأظهرت دول كثيرة بالفعل اهتمامها بالتجارة، ولقد وقعت البرازيل هذه السنة اتفاقيات مع دول في أفريقيا، ومنطقة البحر الكاريبي، وأمريكا الللاتينية.

تتضمن معظم هذه الاتفاقيات نقل تكنولوجيا إنتاج الايثانول في البرازيل، فعلى سبيل المثال في دولة بنين في غرب أفريقيا ، ستستخدم البرازيل خبرتها لتساعد على تطور القدرة الإنتاجية.  

وفي أنجولا، ستبنى شركات البترول الأنجولية والبرازيلية منشأة لإنتاج السكر، والطاقة الحيوية ، والإيثانول من قصب السكر، ومن المتوقع أن تنتج المنشأة 150 مليون طن من السكر، 50 مليون ليتر من الكحول، 140 ميجاوات من الكهرباء سنوياً كما أنه من المقرر أن يبدأ البناء في النصف الأول من 2008،ويتضمن المشروع المشترك استثمار200مليون دولار أمريكي . من الواضح أن هناك أمل في تأسيس تجارة الإيثانول مع هذه الدول كما يقول سزوارك، ويضيف : "ولكن حتي لو لم يحدث هذا ، فنحن على الأقل نخلق الظروف المناسبة لتعزيز سوق ثابت للإيثانول، وتوسيعه في المستقبل". 

هذه المقالة جزء من "بقعة ضوء" علي ثورة الوقود الحيوي .


الرابط مصدر المقال

Donia Attia Sadoun

Donia Attia Sadoun

مترجمين المقال