زراعة الأسطح بالعالم العربي

تعزز وجود الأسطح الخضراء بالحضر منذ أمد بعيد كوسيلة فعالة لتجميل البيئات العمرانية ولزيادة فرص الاستثمار.
وتعد أسطح المباني في غاية الأهمية لما لها من تأثير مباشر علي العزل الحراري وحفظ الطاقة بداخل وبجوار المباني. 

وبناء علي ذلك، من الممكن أن تساعد تلك الأسطح الخضراء بالمدن علي مواجهة نقص المساحات الخضراء بالعديد من المناطق، حيث تزودها بمساحات مفتوحة تساعد علي تقليل درجات الحرارة وتجعل البشر على اتصال بالطبيعة. ومع ذلك، يجب أن نفرق بين نوعي تلك الأسطح الخضراء بالحضر ونقيم قدراتها على التأقلم مع المدن العربية، ومن خلال ذلك المقال نلقي نظرة عميقة على زراعة تلك الأسطح بالمدن العربية.

ما هي الأسطح الخضراء؟
تعد الأسطح الخضراء في الأساس بمثابة سمات لتصاميم دائمة وخاملة للغطاء النباتي السطحي، وتُطبق على طبقة مقاومة للماء بسطح تقليدي يناسب الأجواء المطيرة. وتتحكم الأسطح الخضراء في البلاد المطيرة كالنمسا وألمانيا وبلجيكا في مصادر المياه بإسهامها في إدارة المياه وضبط مياه الصرف. وبحفظها لمياه الأمطار علي السطح ينخفض معدل الجريان المياه السطحي الذي يحد بدوره من متطلبات شبكة الصرف الصحي تحت الأرض. ويمكن استخدام مياه الأمطار المجمعة من خلال الأسطح الخضراء على الرغم من أن تلك الأمطار قد تقل طبقًا لطبيعة الأسطح الخضراء المنفذة.

وعلى صعيد آخر، لا تتواجد تلك الأسطح بالمناخ الحار الجاف بوجه عام في صعب إيجاد أمثلة لأسطح خضراء ناجحة في شبه الجزيرة العربية. فطبقاً للمعايير الأوروبية يجب الحد الأدنى من معدل هطول الأمطار أن يزيد عن 450-460 ملم سنوياً، مما يجعل زراعة الأسطح الخضراء في القاهرة (26 ملم)، وعمان (276مم)، والرياض (20 مم) أودبى (10 ملم) بالأمر الصعب. وأيضاً تتعرض المدن الساحلية مثل الإسكندرية (190 ملم)، وتونس (450 ملم) أو الدار البيضاء (425 مم) إلى فترات صيفية بالغة الحرارة وفترات من الجفاف تمنع نبات السُدْمُ من الأزهار خلال فصل الشتاء. وبعرض تلك الحقائق إلا إنه توجد أراء في البلاد العربية تدعم فكرة الأسطح الخضراء معتمدة علي شبكات ري اصطناعية، مما تجعلنا نعرض عن العامل الأساسي لاستدامة تلك الأسطح بالمناطق شحيحة المياه فعلياً.

وللأسف عبر الشرق الأوسط، هناك أعداد كبيرة من الطلاب والمهندسين المعماريين والعملاء وأيضاً الباحثين لديهم إدراك خاطئ وفهم غير صحيح لدلالة الأسطح الخضراء والتي تعتمد بشكل أساسي على وجود مياه الأمطار المتجددة، وذلك لعدم اعتيادنا على مصطلح (السطح الأخضر) بالمنطقة العربية والتأثير البالغ للوسائل الإعلامية الغربية. 

كما يتحدث العديد من الباحثين عن الآثار الجانبية الإيجابية للأسقف الخضراء كقدرتها علي توفير الطاقة وتعزيز الأداء الحراري والراحة بالمباني إلى حد كبير طبقاً لمصطلحات التبريد الصيفي التي جاءت على أساس قراءات ودراسات في البلدان ذات دوائر عرض أعلى من 40 درجة بالمناخ البارد أو المعتدل. فما ينقصنا دليل مسند إلى التجار بالمحلية والممارسات التي تتعامل مع السطح الأخضر في الطقس الحار الدافئ، وليس طبق نهج نظري منسوخ.

الجانب الحقيقي للمشكلة
 تعاني البلاد العربية من تحديات خطيرة مشابهة لما لدي معظم المدن الكبيرة بالبلاد النامية. 

ومن أبرز مظاهر تحديات النمو العمراني السريع هي المشاكل البيئية كالتلوث، وكثافة المدن، وارتفاع درجة الحرارة والاحتباس الحراري بفصل الشتاء، وتأثير الكثافة الشديدة للسيارات والأبنية المسببة للتلوث  بالسلب علي البيئة. خلقت الكثافة العمرانية مشاكل اقتصادية عدة أيضاً، فتشغيل مكيفات الهواء طول فترة الصيف لسد متطلبات التبريد بدون توقف أدي إلي ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء لعدم وجود قوانين للطاقة وهذا يعني أن تلك الأسطح قد تكون بعزل سيء جداً أو بدونه. وأيضاً تعاني المدن من نقص في المساحات المفتوحة بسبب تجمعات الرمال الصحراوية مع قلة المساحات الخضراء.

وشهدت كثير من البلاد العربية خلال العقد الماضي العديد من العجز في إنتاج الطعام وتوزيعه وارتفاع أسعار الأغذية، وزيادة علي ذلك احتواء الطعام المزروع محلياً علي مكونات سامة. وقد ساهمت الكثافة السكانية السريعة بالتزامن مع النهج الحكومي الغير ناجح للتخطيط المكاني والإسكان إلي انتشار العشوائيات بجوار مركز المدن. فيقطن بتلك العشوائيات ثمانية مليون مصرياً يعانون من البطالة، والتلوث، ووسائل المواصلات، ومشاكل الصرف الصحي وشبكات المجاري، ونقص في المساحات العمرانية المفتوحة القابلة للاستعمال.

ففي القاهرة تعد مساحة المواطن الخضراء ما يعادل تقريباً 0.33 متر مربع (3.5 قدم مربع) وهي من أقل النسب عالمياً. ويندرج مع تلك التحديات التي تواجها البلاد العربية مشكلة أسطح الأبنية والتي تظهر كشيء مشترك بينهم.

زراعة الأسطح كمصدر بديل
تجلت فكرة زراعة أسقف المباني تحت وطأة كل هذه المشاكل كوسيلة فعالة وسهلة لتجميل البيئة العمرانية ولزيادة فرص الاستثمار فتساعد علي مواجهة نقص المساحات الخضراء في العديد من المناطق العمرانية، وتزود المدن بمساحات مفتوحة تقلل من ارتفاع درجات الحرارة، وتجعل البشر علي اتصال بالطبيعة، وتحد من تلوث البيئة في المدن الذي أسفر عن وجود مكونات سامة بالطعام المزروع محلياً مهدداً حياة المواطنين. فلقد عانت القاهرة خلال العاميين الماضيين من إنتاج الطعام وتوزيعه بشكل غير كفء على الإطلاق بخلاف ارتفاع أسعار الطعام. 

ووجدت الأسر في المدن مشكلة في الحصول علي طعام صحي قابل للأكل وذلك نظراً للانفجار السكاني الذي بدوره يؤدي إلى انجراف الأراضي الزراعية بالبناء عليها. فعلى الجانب الأخر، تساعد زراعة الأسطح الخضراء بقليل من المجهود والمال علي تحسين معيشة العديد من الأسر وتوفير الطعام الصحي وزيادة الدخل بجانب تجميل البيئة. 

وأدرك مواطنو القاهرة وبعض الجهات الحكومية لمشكلة تلوث الطعام وطرق توزيعه وجاري التخطيط لاتخاذ التدابير والوسائل اللازمة لضمان طعام صحي بتطبيق فكرة زراعة أسطح المباني في مصر رغم إنها معروفة منذ زمن، ففي أوائل التسعينات أعد مجموعة من أساتذة كلية الزراعة بجامعة عين شمس مبادرة لزراعة الخضروات العضوية تناسب احتياجات المدن المكتظة بالسكان في مصر، وقد تم تنفيذها على نطاق صغير، ثم تبنيت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الفكرة رسمياً عام 2001.

تمثل العديد من الدراسات الفردية مشاريع ناجحة مطبقة من قبل منظمات غير حكومية، ومؤسسات عامة، ومبادرات مدنية خاصة. فعلى سبيل المثال: زرع مبني ابن قصير بالزاوية الحمراء بالقاهرة السطح داخل أوعية خشبية ذات أغطية بلاستيكية مزودة بسماد البيتموس أو البيرلايت باعتبارها التربة ويتم توصيل المياه من خلال خراطيم مياه متصلة بدلاء منتجة بذلك محاصيل ورقية كالبقدونس، والفجل، والجزر. ويتكلف المتر المربع لتطبيق هذا النوع من الزراعة أربعمائة جنيهاً مصرياً.

علي الرغم من تواجد العديد من المشاكل البيئية والاقتصادية بالبلاد العربية، إلا إنه يوجد بصيص من الأمل يساعد على حل تلك المشاكل المتداخلة ويغير الكثير بزراعة أسطح المباني بالخضروات والفاكهة أو أية أنواع أخرى، فزراعتها يعمل علي توفير فوائد كيفية وكمية ملموسة وتعتبر اّليات تنفيذها بسيطة وممكنة وقبل كل شيء فعالة من حيث التكلفة لكن لابد أيضاً من إدراك العوامل المؤثرة على تصاميمها ومن أهمها: العامل المناخي، والعامل البنائي، والعامل الاقتصادي.

وأخيراً، علينا أن نتناول مسألة الأسقف الخضراء علي أساس تجريبي ورصد أمثلة، والأهم وجود رؤية واضحة لخطة طويلة المدى تتبع نهج شامل لزراعة الأسطح وتدعم الإستمرارية. فيساعد هذا النهج الشامل على حل المشاكل في اتجاهات مختلفة وتحسن مستوى المعيشة لقطاع كبير من المدن العربية الكثيفة بالسكان. فمن الممكن الوصول إلى معدلات معقولة للمساحات الخضراء في المستقبل القريب باستغلال تلك الأسطح عن طريق تهيئها للزراعة، فيصبح معدل المساحة الخضراء لكل شخص بنسبة 4 متر مربع.

الرابط مصدر المقال

Doha Ahmed

Doha Ahmed

مترجمين المقال