كيف يمكن لنواة شجر النخيل أن تزيل السموم من البيئة؟

 


 تعد أشجار النخيل أيقونة مميزة للمناظر الطبيعية  في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هذه الأشجار الجميلة هي واحدة من أقدم محاصيل الفاكهة المعروفة وقد تم زراعتها من أكثر من 5000 سنة موفرة الغذاء للأجيال. حتى يومنا هذا، كان التمر محصولاً عالمياً مهماً، حيث يتم زراعته في حزام عريض من باكستان لتونس ويتم تصديره للأسواق في العالم. حظت هذه المحاصيل بتقدير هائل من الثقافات السومرية القديمة فى بلاد ما بين النهرين بين نهرى دجلة والفرات. والتي كانت يومًا ما واحدة من أقدم الحضارات الإنسانية، أما الآن فهى موطنًا لدول العراق وسوريا اللتين مزقتهما الحروب.


كما سيعرف كل من يأكل التمر، أن الثمار النضرة تحتوى على نواة كبيرة عادة ما يتم التخلص منها، على الرغم من أنه يتم جمعها واستخدامها لتغذية الماشية، أو صنع الزخارف.


لكن ماذا لو بدلًا من رمى هذه النواة، يمكننا استخدامها لمعالجة قضية حديثة جدًا، وحل مشكلة خطيرة التي أزعجت الناس حول العالم، خاصًة التي توجد في دول مثل العراق و سوريا؟ ماذا لو تمكنا من استخدامها لإزالة السموم من البيئة؟


نواة التمر تحوى كميات قليلة ولكن قيمة من الزيت حيث يتم استخلاصها عن طريق الضغط والتي يمكن استخدامها لصناعة الصابون ومستحضرات التجميل. ومع ذلك، في مشروع مشترك مع الزملاء في سوريا، اكتشفنا طريقة لاستخدام الزيت لإزالة السموم الخطيرة من البيئة.


جاء هذا الاكتشاف نتيجة للتعاون العلمي بين دكتور عبدالسميع هنانو في دمشق، والزملاء بفرنسا، ومجموعتنا في جامعة  South Wales.


اهتم الدكتور هنانو بمشكلة إزالة السموم والمعروفة بالديوكسينات، والتي يمكن أن تتراكم في المجاري المائية والتربة بسبب التلوث الصناعي والحروب. الديوكسينات هى عبارة عن منتجات ثانوية عن العمليات الصناعية، والتي ربما عُرفت من حروب فيتنام في ستينات القرن الماضي عندما رش الجيش الأمريكي كميات ضخمة من مبيد الأعشاب والذى يُدعى "العامل البرتقالي" فوق الريف لإزالة الغطاء النباتي. تحتوى تركية العامل البرتقالي على الديوكسينات. تعرِّض الآلاف من الفيتناميين للتسمم مما أدى لخسائر كبيرة في الأمراض والعيوب الخلقية التي مازالت موجودة حتى الآن.


وعلى نطاق أوسع، توجد الديوكسينات المنتجة صناعيًا في العديد من المناطق حول العالم وتدخل سلاسل الغذاء البشري عن طريق الماشية، الأسماك، أو مياه الشرب من المناطق الملوثة. وتتجمع الديوكسينات في الجسم البشري وتؤدي إلى مشاكل في النمو والتناسل، وإلحاق أضرار بالجهاز المناعي والسرطان في النهاية.



واحدة من أكبر المشاكل في محاولة إزالة الديوكسينات من البيئة هي عدم قابليتها للذوبان في الماء، مما يعني أنه لا يمكن إزالتها بسهولة. وفي هذا المكان رصد الدكتور هانانو فرصة مُمكنة لاستخدام بذور التمر: فقد وجد زيت البذور مُغلفًا في بناء مستقر جدًا يسمى قطرات الدهون. وكما أوضحنا من قبل، فإن هذه القطرات الدهنية تغطيها طبقة من البروتينات المتخصصة والتي تمكنها من تشكيل مُستحلبات مستقرة جدًا. وخمنّا أن هذه المستحلبات الزيتية يمكن أن تجذب الديوكسينات وتنزعها من البيئة – فتعمل كمغناطيس جزيئي.


كان التحدي الأول هو الحصول على قطرات الدهون من بذور التمور الصلبة. وهذا يتطلب أن تُنقع البذور في الماء لمدة أسبوعين لتليينها، قبل أن يتم استخراج القطرات كمستحلب دسم. وكانت المرحلة التالية هي إضافة هذا المستحلب إلى خليط مذيب/مائي يحتوي على الديوكسين الأكثر شيوعًا والأكثر سُمية،" TCDD". كانت النتائج مُذهلة وتجاوزت كل توقعاتنا: ففي خلال دقيقة، تم إزالة جميع الديوكسينات تقريباً من المحلول إلى قطرات الدهون.



كانت هذه بداية لعدة أشهر من الأبحاث المكثفة من مختبراتنا في كل من سوريا وفرنسا والمملكة المتحدة. وبسبب الصراع الدائر في سوريا، لم نتمكن من الاجتماع شخصياً، وعانى زملائنا في دمشق من نقص شديد في المعدات والإمدادات- ناهيك عن المخاطر الحقيقية للعيش والعمل في منطقة حرب.



وبعد أن أظهرنا كبداية "دليلًا على افتراضياتنا" في ورقتنا المنشورة مؤخرًا، نحن مهتمون الآن بالتطبيقات العملية لهذا الشكل الجديد للتكنولوجيا الحيوية البيئية. وتتمثل إحدى أفكار الدكتور هانانو في استخدامه في المزارع السمكية حيث يمكن أن تؤدي المستويات الأعلى من الديوكسينات في المياه الساحلية (مقارنة بالمحيطات المفتوحة) إلى تراكم عدد كبير من الأسماك والمحار. ويمكن تمرير المياه من خلال أنابيب تحتوي على مستحلبات قطرات الدهون الخاصة ببذور البلح لإزالة الديوكسينات، والتي تُمكنهم من حرقها.



على المدى القصير، نأمل أن تستخدم التكنولوجيا للمساعدة في تنظيف الأعداد الضخمة من الأماكن الملوثة في سوريا التي تم إنشاؤها خلال الصراع الحالي. على المدى الطويل، نحن مهتمون أيضًا باستخدام هذا النوع من المعالجة الحيوية لمُحاربة السموم الأخرى في جميع أنحاء العالم، والذي يُثبت أن أشجار النخيل أكثر فائدة مما كان يتخيل أسلافنا.

مراجعة: ندى عرفه.



 



 


 


 




الرابط مصدر المقال

Esraa Mohamed Abdullzaher

Esraa Mohamed Abdullzaher

مترجمين المقال
Gihad Ahmad

Gihad Ahmad

مترجمين المقال