الجفاف يعيد فكرة إعادة تدوير المياه إلى الأستراليين من جديد

يتزايد الاهتمام بالجفاف وإمدادات المياه في أستراليا الشرقية. وتظهر التقارير الحديثة الواردة عن "فيكتوريا " أنّ حكومة الولاية تدرس التحول إلى محطة تحلية المياه غير المستخدمة لتغطية احتياجات ملبورن. ولأنها لن تحتاج إلى مياه إضافية في الوقت الحالي فإن المياه المخصصة لها ستذهب إلى المجتمعات المحلية في شمال الولاية حيث يلوح في الأفق نقص المياه. 
عندما يضرب الجفاف استراليا، سيتطلع الناس والحكومات إلى تعزيز وتقوية إمدادات المياه. ركز السياسيون على بناء سدود أكثر ومد خطوط الأنابيب وذلك على حساب مصادر بديلة مثل المياه المعاد تدويرها.

وقد شاع اعتقاد -بشكل واسع- أنّ شرب المياه المعاد تدويرها من مياه المجاري مثلًا أمرٌ غير مقبول عند العامة، لكن الدراسة الاستقصائية الأولى الصادرة عن "رابطة المياه الأسترالية" أظهرت استعداد العامة لتقبل المياه المعاد تدويرها.




الماء ينضب وتزداد  تكلفته
من بعد الاستعمار تعاظمت الحاجة إلى مصادر طاقة أكثر كثافة وتكلفة لتوفير المياه العذبة.

لقد قمنا بإنشاء سدود كبيرة لتعادل كمية المياه المتغيرة أثناء موسمي المطر والجفاف، ولأنّ استهلاك المياه يتجاوز قدرة أحواض الأنهار على الوفاء بالطلب؛ قمنا بمد خطوط أنابيب لضخ المياه من أحواض الأنهار قليلة الكثافة السكانية إلى أحواض الأنهار ذات الكثافة السكانية العالية للوفاء بالمتطلبات.

أصبح وجود مصادر جديدة للمياة مطلوبًا؛ لهذا عزمت مدنٌ تتضمن بيرث، سيدني، ملبورن، أديليد وجولد كوست على إنشاء محطات تحلية مياه البحر في مدة زمنية قصيرة.

يأتي هذا الإدراك المتأخر في " رؤية 2020 (خطة تسير عليها أستراليا حتى عام 2020) " ومن الواضح أنّ قرار إنشاء محطات التحلية- مع الاستثناء الملحوظ لولاية "بيرث" كان سابقًا لأوانه منذ كانت المحطات نادرة الاستخدام، وغالبًا ما يعلق السياسيون ومَن لهم مصالح مالية مرتبطة بالمحطات أنها تمثل "بوليصة تأمين" عندما يحدث الجفاف حتمًا.

مع ذلك، فقد جاءت هذه "وثائق التأمين" هذه بثمنٍ باهظ يبلغ مليار دولار، ومعظمها تم تمويله من خارج البلاد، ولهذا فستكون تكلفة الفائدة السنوية باهظة الثمن.

من ناحيةٍ أخرى فالتكاليف المرتبطة بصيانة محطات تحلية المياه مهمة، حتى عندما توفر كمية مياه لا تُذكر. في بعض الحالات كما في "سيدني" فإن الحاجة لاستخدام محطات التحلية من المرجح أن يحتاج سنوات عديدة -لإعطاء الفاعلية المطلوبة- وبهذا يمكن القول أن وثائق التأمين لمحطات التحلية ذات قيمة مالية قليلة.



مغريات تحلية المياه
في عام 2006 قام برلمان "شمال ويلز" بعمل تحقيق حول إمدادات المياه المستدامة لسيدني. ظهرتُ في التحقيق كشاهد لطرح خيارٍ يكون أكثر استدامة من تحلية مياه البحر.

لقد رأيتُ أنّ التكنولوجيا أنشئت لتنقية المياه بشكل موثوق منه من محطات معالجة مياه الصرف الصحي بطريقة تجعلها قادرة على توفير مياه للشرب عالية الجودة لسكان سيدني. هذا الأمر تبنته عدد من مدن الولايات المتحدة الأمريكية ويشيع الإشارة إليه باسم "إعادة تدوير مياه الشرب".

جميع المدن والبلدان فريدة من حيث جغرافياتها وملامح التطور التاريخي، مع ذلك فالمزج الصحيح للظروف، يجعل إعادة تدوير مياه الشرب يمكن أن يملك ميزات مهمة تفوق محطات تحلية مياه البحر؛ تتضمن هذه الميزات انخفاض تكلفة التشغيل والبناء وكذلك استخدام طاقة أقل وهو ما يترجم إلى التقليل من انبعاث الكربون.

مع ذلك فاقتراح حكومة NSW الذي أخذ على محمل الجد اعتبار المياه المعاد تدويرها بديلًا لمحطات تحلية مياه البحر لم يُقدّر على نحوٍ واسع.

 كانت الحكمة العامة "الاعتقاد السائد" في ذلك الوقت أنّ الأستراليين غير مستعدين لقبول المياه التي كانت في إحدى المرات مياه صرف صحي كعنصر من إمدادات مياه الشرب، في الواقع هذا الاعتقاد كان مدعومًا بدراسة استقصائية أجريت عبر الهاتف في ذلك الوقت.

منذ ذلك الوقت اعتبرت حكومتي "نيو ساوث ويلز" و"فيكتوريان" أنّ مياه الشرب المعاد تدويرها ليست خيارًا في مدن تلك الولايات.




التعطش السياسي للسدود:
من المعترف به على نطاقٍ واسع أنّ بناء سدود على الأنهار لإمداد مدن استراليا الكبيرة بالمياه استنفدت فعليًا. 

بالرغم من ذلك فالسياسيون الأستراليون يتوقون إلى فرصة للإعلان عن مشروعٍ لسد ضخم. كان هذا عندما أعلن "جون كوب" العضو الفيدرالي ل"كالاري" عن خطة  لحجز تدفق نهر "بيلو بولا" عند "نيدلز غاب" في مدينة نورث ويلز عام 2014 معلنًا: "أؤمن أنّ هذا المشروع سوف يرفع معنويات الغرب الأوسط وسيلهم كل أستراليا ".

تتعدد الأهداف الخاصة بمشاريع توفير المياه ويمثل التأثير في ساكني الأقاليم في أستراليا هدفًا مهمًا بالنسبة لرجال السياسة. ولكن يبدو أن رجال السياسة لديهم افتراضات لا تتزعزع عما تفضله المجتمعات المحلية في أستراليا فيما يخص توفير المياه فمعظم رجال السياسة يعتقدون أننا جميعًا نود أن نسمع إعلانات عن بناء سدود جديدة. وإذا كنا لا نستطيع بناء سدود ضخمة، فإنّ السياسيين يفكرون في محطات التحلية كخيارٍ مفضل. 

ينكر قليلٌ منهم المزايا المستدامة لإعادة تدوير مياه الشرب لكن معظمهم يفكر أن من الصعوبة جعل المجتمع يدعم هذه الفكرة.




المواقف تتغير
في دراسة استقصائية أجريت مؤخرًا، كان عدد الردود التي جاءت من قبل أفراد المجتمع الاسترالي 3316، من بين هؤلاء وافق ستة وتسعون بالمائة منهم على بيان أنّ المياه المعاد تدويرها "يمكن معالجتها واستخدامها في الشرب الآمن" كان هذا مقارنةً خمسة وستون بالمائة ممن وافقوا على هذا البيان بشأن مياه الأمطار واثنان وثمانون بالمائة ممن وافقوا على تحلية مياه البحر .

بالنظر إلى الانتشار الفعلي لمحطات تحلية مياه البحر في جميع أنحاء أستراليا، ونقص المناقشات العامة حول إعادة تدوير مياه الشرب، فأنا أرى أنّ مستوى الإيمان بإمكانية إعادة تدوير المياه أمرٌ ملفت للنظر.
وقد أظهر البحث الأخير الصادر عن الولايات المتحدة، أنّ إشراك المجتمع وتقديم معلومات دقيقة يمكن زيادة مستوى الوعي بدعم عملية إعادة التدوير زيادة كبيرة.

عندما سئل المستهلكون عمّا إذا كانوا يوافقون على البيان "أنّ هناك مجال لزيادة بناء السدود والذي بدوره سيوفر مخزون مياه إضافي في جنوب أستراليا (مثال ذلك: حوض موراي-دارلينج والمناطق الساحلية الجنوبية الشرقية) فقط 33% وافقوا على هذا البيان، وقد ارتفع الرقم إلى 46% في شمال أستراليا، وهو مايلهم الكثيرين في أستراليا.




خطة التعامل مع الجفاف
تستعد جميع الدول حول العالم للحدث المهم "أل نينو" الجاري. تتسارع الأدلة وتشير إلى أن الساحل الشرقي لأستراليا سوف يخضع لظروف مسببة للجفاف والذي تسبب في نقص عظيم للمياه في العقود السابقة.

عندما يحدث هذا فإنه يمكن توقع مكافحة العديد من المناطق لإدارة موارد مياهها الضئيلة، سيبحث العديد عن حلول لموارد مياه مستدامة، كما سيحدد البعض إعادة تدوير المياه الصالحة للشرب كخيار أكثر استدامة نظرًا لظروفهم.

سيكون التحدي الواقع أمام الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات هو دعم احتياجات بلداتهم ومدنهم؛ سوف يبذلون ما بوسعهم لضمان طرح جميع خيارات إمدادات المياه على الطاولة مع النظر إليها بشكلٍ عادل ومنصف.

في غضون ذلك فإن أفضل ما يقدمه السياسيون لأستراليا هو الكف عن وصف إعادة تدوير مياه الشرب بخيار لا يصلح النظر إليه، في حين أنه ينبغي عليهم العمل على الاستفادة من الدعم الموجود حاليًا في المجتمع عند الحاجة، ويشكل إعادة تدوير مياه الشرب أحد الحلول المقبولة لإيجاد موارد للمياه.

هناك بالفعل أدلة قوية على أنّ ذلك يمكن تحقيقه، وذلك عندما تعمل الحكومات بشكلٍ فعّال لتحقيق هذا الهدف.

في عام 2013 قدّمت حكومة أستراليا الغربية دعمًا وموافقة قوية  لمشروع إعادة تدوير مياه الشرب؛ لتوفير ما يصل إلى 20% من موارد المياه في "بيرث". وقد تم بناء هذه المحطة منذ ذلك الحين وقريبًا سوف تسد واحدة من احتياجات المدينة الأساسية، منها انخفاض إمدادات المياه الجوفية.



اسم المترجم : سلسبيل محسن كامل 

الرابط مصدر المقال

Salsabeel  eleeny

Salsabeel eleeny

مترجمين المقال