تطوير استخدامات بقايا قصب السكر: التكنولوجيا المطبقة على صناعة الورق

        تفل قصب السكر هو المخلفات الليفية الناتجة عن صناعة تكرير قصب السكر جنبًا إلى جنب مع بخار الإيثانول، ويُعاد تدوير جزء من الكمية الهائلة لهذه المخلفات لتُصبح مادة خام لصناعة الورق، ولكن المعالجة الصناعية اللازمة لإزالة تخشب لباب الورق الناتج وتبييضه يمكن أن تكون ضارة بالبيئة، وقد قام باحثي مركز البحوث للتنمية (وحدة البحوث المشتركة 180) والمعهد الوطني للبحوث الزراعية (وحدة البحوث المشتركة 1163)[1]-الذين يعملون سويًا في (التقنيات الحيوية الصناعية الزراعية في مرسيليا)- بتطوير عملية حيوية جديدة تحول تفل قصب السكر إلى لب الورق وتنتج أيضًا إنزيمًا مفيدًا للصناعة هو (إنزيم لَكَّاز) سعيًا للتغلب على هذه العيوب، وتستند هذه العملية على استقلاب الفطريات الخيطية التي تنتج هذا الإنزيم عندما تنمو في بيئة على تفل قصب السكر في وجود الإيثانول، ويكسر (إنزيم لَكَّاز) اللجنين في مخلفات قصب السكر مُغيرًا الأخير إلى لب الورق، وتُظهر التجارب المعملية الأولية أن هذه المعالجة الحيوية المتكاملة يمكن تكييفها مع مواد أخرى محتملة لإنتاج الألياف، مما يفتح تطبيقات واعدة لصناعة الورق.
     
إن المادة الخام الرئيسة المُستخدمة في تصنيع عجينة الورق هي الخشب، ومع ذلك فقد أجبر الطلب المتزايد على صناعة الورق -في وقت تتناقص فيه موارد الغابات- القطاع على اللجوء لمصادر أخرى من المواد الخام، مثل قش الحبوب أو البوص أو الخيزران أو تفل قصب السكر. هذه البقايا -التي يُتحصَل عليها بعد عصر عود القصب- تُستخدم بالفعل كمصدر لألياف صُنع الورق في البلدان المُنتجة (في أمريكيا الجنوبية والهند على سبيل المثال، حيث تُمثل 20% من انتاج الورق)، وتستحوذ هذه الصناعة على 10% من انتاج العالم من تفل قصب السكر. ولهذه المادة العديد من المزايا؛ مثل النمو السريع لنبات قصب السكر، وزراعته واسعة الانتشار، وطاقة ومتطلبات تبييض كيميائية أقل لعملية تكرير تفل قصب السُكر، وهذه العملية هي أيضًا وسيلة مناسبة للتخلص النافع من هذه الكمية المهولة من نفايات صناعة تكرير السكر، فالطن الواحد من السكر المُكرر يُخلِّف في الواقع طنين من التفل. ومع ذلك -ومهما كانت المادة الخام المستخدمة- يجب أن تخضع عجينة الورق لمراحل معالجة تهدف إلى إزالة اللجنين والتبييض لتحويلها إلى ورق قوي ومتين، وفي بعض البلدان، لا تزال المعالجة الكيميائية المُتضمنة تستلزم استخدام الكلور، وهو أمر خطير على كلا من الصحة والبيئة.[2]

 لقد درس علماء بحوث من مركز البحوث للتنمية والمعهد الوطني للبحوث الزراعية حلًا بديلًا قائمًا على أساس بيولوجي، ومكنتهم التجارب المعملية من تطوير عملية غير مُلوِثة تنتج في الوقت نفسه إنزيم مُخشِّب -(إنزيم لَكَّاز)- من فصيلة فطريات خيطية وتُعيد تدوير تفل قصب السُكر على نحو فعال. ويكمن الأساس الذي يقوم عليه عملها في الخصائص الأيضية المحددة لهذه الفطريات –Pycnoporus cinnabarinus- التي تنتج إنزيم لَكَّاز بشكل طبيعي، وهذا الإنزيم يُكسر اللجنين في ألياف تفل قصب السُكر المُستخدم كمادة أولية في هذه التجارب، محولًا مُنتج النفايات هذا -بعد تكرير آلي- إلى لُب الورق، وبينما يتلاشى اللجنين تدريجيًا يصبح لب الورق المُتحصَّل عليه مُبيَّضًا، ويمكن استخدام هذا اللب كما هو في صناعة الورق المقوى، ولكنه يجب أن يخضع لمعالجة إضافية باستخدام بيروكسيد الهيدروجين لإنتاج ورق للطباعة والكتابة.
       
وجدير بالذكر، أن فطر (Pycnoporus cinnabarinus) يُصنِّع بطريقة طبيعية كميات صغيرة فقط من إنزيم لَكَّاز عند نموه على تفل قصب السُكر، ولذلك من الضروري إضافة مواد متطايرة مثل الإيثانول، من أجل زيادة إنتاج الإنزيم في ظل هذه الظروف.[3]ولذا وقع الاختيار على الإيثانول كإنزيم محفز في هذه الدراسة بسبب وفرته، وانخفاض درجة سُميّته وتكلفته الإنتاجية. وعلاوة على ذلك، توّصل فريق البحث إلى أنه إذا وضع في النظام عن طريق الحمل الحراري القسري بمعدل 7 جرام من الإيثانول لكل 3م (التركيز المعادل 3 درجات من الكحول في الطور السائل)، وإذا زاد تركيز الانزيم إلى المستوى الأقصى (90 يو لكل غرام من دعم المخلفات الجاف). هذا يصل إلى 45 ضعف العائد الذي تم الحصول عليه بدون إيثانول. وبالإضافة إلى ذلك، عند استخدام إيثانول أقل أو إقصاءه يستهلكه الفطر الذي يستخدم بشكل تفضيلي مصادر أخرى من الكربون، ناتجة عن تفل قصب السكر (السكروز) أو وضعه في الركيزة (مستخلص المولتوز والخميرة وما إلى ذلك). وبالتالي يمكن إعادة تدويره في النظام أو التخلص منه في نظام ثانٍ مرتبط به.[4]

إن تكرار تجارب التخمر على نطاق أوسع، في مفاعل حيوي سعته 18 لترًا، يثبت كفاءة إنتاج إنزيم اللكاز الذي تم الحصول عليه باستخدام تفل قصب السكر والإيثانول (90000 وحدة لكل كيلوغرام من الثفل الجاف بعد 30 يوم، الذي بدوره يعزّز الكمية المطلوبة للمعالجة، دون إدخال الفطريات، 4 كجم إضافية من تفل قصب السكر). نتج عن هذه العمليات الحيوية توفير 50٪ من استهلاك الطاقة اللازم لتكرير عجينة الورق، مقارنةً بالذي تم تسجيله في عملية تكرير اللب من تفل القصب التي لم يتم معالجتها بيولوجياً. وميزة أخرى جاءت في شكل تحسن 35 ٪ في الخصائص الميكانيكية للورقة (قوة الشد والمقاومة المسيل للدموع) دون ملموس من المواد.وتؤكد النتائج في مجملها على إمكانية تطبيقات هذه المعالجة الحيوية في صناعة الورق. حيث إن استرجاع الانزيم في نهاية الدورة، بعد الغسيل والضغط على تفل قصب السكر، يسمح كميات إضافية من الركيزة المراد معالجتها، وبهذه الطريقة، تزيد أرباح العملية. ومن ثمّ، يمكن تكييف هذه العملية لتجهيز المواد الخام الأخرى (الخشب والحبوب). وبالمثل، يمكن التفكير في استخدام الميثانول كإنزيم محفز كطريقة لإعادة تدوير هذا المركب، الذي يشكل أحد الملوثات الرئيسية المنبعثة من صناعة الورق.      


[1] كل فريق من هذه الفرق شريك لجامعة بروفنس وجامعة البحر المتوسط، وقد تجمعوا معًا داخل الكيان البحثي (IFR 86-BAIM).   
[2] تتحول صناعة الورق في أوروبا مع ذلك تحولًا متزايدًا نحو عمليات معالجة خالية تمامًا من الكلور.
[3] لوماسكولو وأشياء أخرى. الإنتاج المُفرط لإنزيم لَكَّاز من خلال سلالة أحادية النواة لفطر Pycnoporus cinnabarinus باستخدام الإثينول كمحفزJ. Appl. Microbiol. 2003, 94, p. 1-7.
[4] أظهرت أبحاث أخرى أُجريت تبع معهد البحوث للتنمية في عمل مُشترك مع (جامعة المكسيك المستقلة) في مدينة ميكسيكو و(المعمل الكوبي للبحوث حول مشتقات رعاية السكر) في كوبا أن الخميرة و المبيضات يمكن أن تستخدم لإنتاج الكتلة الحيوية من تفل قصب، وبالتالي يمكن أن يوفر تغذية غنية بالبروتين للحيوانات أثناء إزالة الإيثانول في هذه العملية (إزالة تلوث الهواء). انظر النشرة العلمية . n°155 مايو 2002. على موقع http://www.ird.fr/fr/actualites/fiches/2002/fiche155.htm.
 

الرابط مصدر المقال

إسراء جمال

إسراء جمال

مترجمين المقال
رضا شكر

رضا شكر

مترجمين المقال