التجارة الإلكترونية: بناء يرتكز على جبل من الورق المقوى

رائد الأعمال روشيت جارج صاحب مبادرة (وادي السيليكون: Silicon Valley) صرح بأن هناك شيء ما ليس على ما يرام في عادته الخاصة بالتسوق عبر الانترنت، مع كل طلب يصل إلى عتبة بابه –أحياناً عدة مرات في اليوم- يواجه مصدر إحساسه بالذنب وإحباطه ألا وهو: علبة أخرى من الورق المقوى
بقلم: مات ريشتل      بتاريخ: 16فبراير 2016
ثم عندما يقوم بفتح الشحنة كثيراً ما يجد نفسه في مواجهة الدمى الروسية المتداخلة متمثلة في علبة داخل علبة لحماية أجهزته الإلكترونية أو مزيل العرق أو الملابس أو البقالة، السيد جارج يقوم بإعادة التدوير بإخلاص، ولكنه شارك مخاوفه مؤخراً على تويتر مغرداً : أنا أحب (googleexpress) ولكني أشعر بالذنب عندما تظهر البطاطس والطماطم في هذه الصناديق المحكمة، أيمكننا إنقاذ بعض الأشجار؟ 

هناك حفنة من العلماء وصانعي السياسات يتداولون نفس السؤال، في مواجهة التأثير البيئي طويل المدى لاقتصاد ينموبسرعة معتمد على إشباع رغبة المستهلك في الحصول على السلعة الآن، هذه الدائرة تقود المستهلكين إلى التطلع إلى أن حتى أكثر احتياجاتهم تواضعاً يمكن تلبيتها تماماً كاحتياجاتهم الطارئة، بدون الشعور بأن هذا أمر جلل.

إن السلاح الجديد لتجار التجزئة على الإنترنت هو السرعة، جاعلين شركة فيدرال اكسبريس التجارية القديمة (Fedrl Express) - صاحبة شعار" عندما يكون الأمر حتمياً، يجب أن يكون هناك بين عشية وضحاها" – تبدوطريفة كالتوصيل باستخدام الحصان، تفاخرت شركة أمازون (Amazon) في منشور إخباري في ديسمبر عن (أسرع توصيل طلب في الموعد)، زبون من ميامي تم إطفاء توقه الشديد إلى أربع علب من (فرابتشينوبنكهة الفانيليا) في عشر دقائق فقط.

في (10) مناطق رئيسية،تقوم شركة (Google Express ) بالتوصيل في مدة زمنية أقل من ساعتين من عشرات المخازن متضمنة ألعاب وعقاقير وأدوات منزلية وأطعمة الحيوانات الأليفة.

شركة (Postmates)، شركة مبتدئة في ولاية سان فرانسيسكو، تعد بالتوصيل في أقل من ساعة، وقامت بتوصيل ما يقرب من مليون طرد في ديسمبر.

بصورة إجمالية، فالتجارة الإليكترونية التي تقدر بقيمة (350) مليار دولار تضاعف حجمها في الأعوام الخمس الأخيرة، بوجود شركة (Amazon) التي تقوم بضبط السرعة، فحسب أحد التقديرات خدمة (Prime Membership) التي تقوم بتقديمها زادت بما يربوعلى (50) مليون اشتراك، وهناك أيضاً حسب موقع الشركة: "الخدمة السريعة الجديدة التي تقدمها (Prime Now)، والتي تقوم بتوصيل أي شيء للزبائن في دقائق".

شركة (Uber) قامت بتسمية خدمتها الجديدة (UberRush) "أسطول توصيل تحت طلبك"، وشركة (Jet Deliver ) التي تقدم  خدمة (القفاز الأبيض:white glove) للتوصيل في أقل من ساعتين، وهناك أيضاً (Instacart) التي تقوم بتوصيل السلع حتى باب البيت في أقل من ساعة.

التكلفة البيئية تتضمن: الكمية الإضافية من العلب المصنعة من الورق المقوى، ففي عام 2014 تم إنتاج (35.4) مليون طن من الورق المقوى في الولايات المتحدة فقط، بوجود شركات التجارة الإلكترونية ذات عدد المستخدمين الأسرع نمواً، وأيضاً الانبعاثات الناتجة من خدمات الشحن الشخصية المتزايدة.

صرح (دان سبيرلينج) المدير المؤسس لمعهد دراسات النقل في جامعة كاليفورنيا وجامعة (ديفيس: Davis) وخبير النقل في مجلس موارد الهواء في ولاية كاليفورنيا:"هناك أسطول كامل من الشاحنات يدور في الأحياء السكنية بلا توقف"، ويتنبأ أيضاً بحملة قوية من شركات الشاحنات والحكومة لمحاولة تقليل الانبعاثات الكلية الصادرة من خدمات التوصيل والتي تتضمنها التجارة الإلكترونية.

يقول (د/ دان سبيرلينج) أن المستهلكين أيضاً يتحملون مسئولية التكلفة البيئية بنفس القدر الذي تتحمله الشركات التي تقدم خدمات النقل السريع وأضاف أيضاً "من منظور الاستدامة، نحن نسير في الاتجاه الخاطئ".

ولكن يظل قياس تأثير اقتصاد الورق المقوى أكثر صعوبة.

هناك بعض التباديل الممكنة، فمثلا طالما يقوم الناس بالتسوق عبر الانترنت فربما يقل استخدامهم لسياراتهم الخاصة، كما أن خدمات التوصيل حافز قوي للعثور على أكثر الطرق فعالية، لتقليل تكلفة الوقود ومقدار الانبعاثات، ومن جانبها أعلنت شركة (Amazon) أن التوصيل من المستودعات الكبيرة مباشرة للمستهلكين يقلل الحاجة إلى التوزيع على آلاف المتاجر.

على حسب رأي د /سبيرلينج وأكاديميين آخرين، فإنه حتى الآن على الرغم من ذلكفإن المتسوقون مازالوا يذهبون إلى المتاجر التقليدية –المبنية من الطوب والأسمنت– تقريباً بنفس القدر السابق.

في إحدى الدراسات التي أجريت مؤخراً على الأثر البيئي للتسوق عبر الإنترنت في مدينة (نيوارك ديلاوير) الأمريكية، وجدت أن نمو التجارة الالكترونية في الأعوام السابقة –بواسطة السكان المحلي– أدى إلى عدد شاحنات أكثر على الطريق وأيضاً زيادة الانبعاثات الدافئة.
صرح  (آرديشي فاجري) بروفيسور الهندسة المدنية في جامعة (ديلاوير) بأن مقدار الزيادة في الانبعاثات الدافئة – والذي قدره بحوالي 20 % من عام 2001 إلى عام 2011 – بأنه "من الممكن أن يكون ناتج عن عدة أسباب، لكننا نعتقد أن التسوق عبر الانترنت وزيادة شاحنات التوصيل هما أحد الأسباب الرئيسية" وأضاف أيضاً "إن التسوق عبر الانترنت لم ينفع البيئة، بل جعلها أسوأ".

يقول علماء آخرون: الآن -على الأقل– يبدوأن التسوق عبر الانترنت مكمل للتسوق التقليدي –من المتاجر المبنية بالطوب والأسمنت– وليس بديلاً لها.

تقول (كارا وانج)، مدرس مساعد في معهد (رينسلر) للفنون المتعددة، الذي يدرس شئون النقل : "الناس الذين يتسوقون عبر الانترنت يحبون أن يلمسوا الأشياء ويشعروا بها" وقد قامت بكتابة ورقة بحثية عن عادات المتسوقين عبر الانترنت "يجب أن يقوموا بإرجاع الأشياء"
الدكتورة /وانج وباحثون آخرون يقولون أن زيادة الطلب على خدمة التوصيل السريع تحديداً، خلق تحدٍ جديد أمام شركات الشحن محاولين أن يكونوا أكثر كفاءة، فبدلاً من الحمولات الكبيرة التي توزع على تجار التجزئة يقومون الآن بتوصيلات مبعثرة.

الكثير من السائقين يقومون بتوصيل شيء واحد فقط، هذا في حالة شركة (Postmates) والتي لديها أسطول من (15000) سائق يعملون لحسابهم الخاص متعاقدين مع الشركة لتوصيل ما يطلبه العميل أياً كان، وهي خدمة شبيهة بــ(Uber) ولكن لتوصيل الطرود، تبدأ التكلفة من (5) دولارات ويضاف إليها نسبة (9%) من تكلفة الشيء المراد توصيله، وتقول الشركة أيضاً أن لديها (5000) عامل توصيل على الدراجات أوسيراً على الأقدام في الأماكن المزدحمة بالسكان.

 كما أن دفع السرعة من المسوقين يعطي المتسوقين دافع صغير للانتظار.

تساءل (ميجيل جاللر) –مدرس مساعد في جامعة (U.C Davis) الذي يدرس نماذج النقل المدني– "لماذا أختار أسبوع إذا كنت أستطيع إحضارها في ساعة واحدة ؟"

كما في حالة (مونيكا روهيلدر)، التي تعترف باستعمال خدمة (Amazon Prime) بكثرة وهي تقول " يمزح زوجي قائلاً أننا نساعد أمازون على البقاء في السوق".

تعليق أسفل الصورة: (روشيت جارج) وابنه ذو الثلاث سنوات مع منتج تم طلبه عن طريق خدمة (Google) على الانترنت
جيم ويلسون/نيويورك تايمز

السيدة (روهيلدر) المقيمة في ولاية لوس أنجلوس وتعمل في شركة للعلاقات العامة وتقول أنها تحب خدمة التوصيل التي تصل في صباح اليوم التالي، ولكن " التوصيل في خلال بضع ساعات هوالأفضل "، لأنها مشغولة بعملها وتربية طفليها الصغيرين، لذا فهي لا تطلب شيئاً إلا إذا كان الأمر عاجلاً، وتضيف قائلة " هناك متعة لحظية في إحضار شيء ما وأن تعلم عليه في قائمتك بأنه تم ".

في ظهيرة أحد الأيام استلمت ستة صناديق من شركة (Amazon and Nordstrom) من أجل رحلة إلى هاواي، بها ملابس سباحة وملابس رياضية وكتب تلوين، قياس بعض الملابس لم يكن ملائماً فقامت بإرجاعها.

هي تفكر بشأن الورق المقوى الذي يدخل منزلها أكثر مما تفكر في انبعاثات الشاحنات، وتقول "هذا أمر محرج" أن تضيف إلى كمية التدوير الأسبوعية الخاصة بها.

(دينيس كوللي) رئيس شركة (Fibre Box Association)-المجموعة التجارية لصناعة الورق المتعرج أو الورق المقوى– قدر أن استخدام الصناديق في التجارة الإلكترونية ينمو ؤأسرع من شرائح السوق الأخرى.

بينما أكد على أن هذه الصناعة تبذل جهداً حتى تكون واعية بيئياً، وأن نسبة (90%) من الورق المقوى تمت إعادة تدويرها.

شركة (Amazon) مدركة لمسألة الورق المقوى، فمنذ عام 2009 وصلها (33) مليون تعليق وتقييم وصور أيضاً عن التعبئة الخاصة بها كجزء من برنامجها (لردود الفعل على التعبئة)، قالت (Amazon) أنها استعانت بردود الفعل للتأكد من أن حجم العبوة كان ملائم لحجم المنتج، كما صرح المتحدث باسم (Amazon) – (كريج بيرمان) – أن الشركة تعمل مع المصنعين ليرسلوا بعض المنتجات بدون تعبئة إضافية من الورق المقوى.

على الرغم من أن إعادة التدوير قد تجعل المستهلكين يظنون أنهم يساعدون البيئة، فإن العملية نفسها لها تكلفتها الخاصة، متضمنة الانبعاثات الناتجة عن الشحن إلى مراكز إعادة التدوير، والتي تستهلك بدورها الكثير من الطاقة والماء.

يقول (دون فوليرتون) – بروفيسور الموارد المالية والخبير الاقتصادي والبيئي في جامعة (إلينوي) -  أن احد الحلول الممكنة قد يكون جعل تجار التجزئة مسئولين عن استرجاع الصناديق، والذي من شأنه خلق دافع لديهم لإيجاد حلول لتقليل التعبئة،كما قال "وربما أيضاً عدم وضع صندوق داخل صندوق داخل صندوق".

(روبرت ريد) المتحدث باسم شركة (ريكولوجي: Recology) -المعالج الرئيسي لإعادة التدوير في ولاية سان فرانسيسكو والذي يجمع (100) طن من الورق المقوى يومياً– لديه حل أبسط :"أبطئوا الاستهلاك.. أبطئوا".

الرابط مصدر المقال

باهر بركة

باهر بركة

مترجمين المقال