سكان القاهرة يجعلون من النفايات ثروة ثمينة

في العاصمة المصرية وحول نفايات الآخرين مجتمع جديد فرض وجوده ولكن السؤال الآن هل ستقف السياسة والاستثمارات الأجنبية في عقبة بالنسبة لهم 
مصر هي موطن الأهرام والمعابد القديمة والانتفاضات الشعبية. شوارع القاهرة مكان الرفاهية وأيضًا الفقر المدقع. 

القاهرة وبما أنها  المدينة الرئيسية  والعاصمة تصبح الدليل الأكبر على التناقض الهائل، أثناء الدراسة قضيت عام في هذه المدينة وحصلت على فرصة للتطوع  وأن أتعلم المزيد بشأن الآليات التي تقود أكثر مدن أفريقيا اكتظاظاً بالسكان.

هنا، في عدد كبير من الأحياء الفقيرة في المدن والضواحي الحديثة والآخذة في التوسع إلى ما لا نهاية، ما يقرب من 18 مليون شخص يولد أكثر من 15,000 طن من النفايات يوميًا، مما يجعل القاهرة واحدة من أكثر مدن العالم قذارة وتلوثاً .الحكومة حتى الآن بعيدة عن الكفاءة فى معالجة هذه الحالة البيئية  والتي لها أيضًا تأثيرات سلبية على الصحة العامة والاقتصاد المحلى. المدينة تنمو باطراد، وكذلك مشكلة القمامة.

 حيث المعيشة في الفوضى، قررت جماعة معينة استغلال الوضع وكسب العيش من نفايات الغير. هذا المجتمع يعيش ويعمل في القاهرة الكبرى تحديدًا في منطقة  المقطم ويسمى هؤلاء الناس" بالزبالين" وهى تعنى باللغة العربية جامعي القمامة. يستخدم الرجال الشاحنات وعربات الكارو لجمع القمامة من جميع أنحاء القاهرة. 

بمجرد عودتهم إلى المقطم تقوم الإناث والأفراد الأصغر سنًا بفرز ما يقرب من تسعة آلاف طن من النفايات يدويًا إلى ستة عشر نوعًا من المخلفات يوميًا. في نهاية المطاف تتحول هذه النفايات إلى الأغطية  والسجاد والأواني، الورق، طعام الماشية، السماد، منتجات البلاستيك المعاد تدويره مثل الشماعات وغيرهم الكثير. 

حوالي 85 في المائة من النفايات المجمعة يتم إعادة استخدامها وتدويرها، وقد تجاوزت الآن مخططات أفضل الكفاءات الغربية فى إعادة تدوير، والتي لم تكن قادرة إلا على إعادة استخدام سبعون في المائة فقط  من جميع المواد .تبيع  هذه الجماعة ما يتم تجميعه إلى المصنعين المحليين الذين إما يقومون  بإعادة استخدام المواد أو تصديرها على أنها مواد خام. هذا النموذج لا يمنع  القاهرة من أن تغمر بنفاياتها، ولكن أيضًا يوفر دخل منتظم لأكثر من خمسون ألف شخص يعيشون في هذه  المنطقة.  ويستند المخطط بالكامل على أساس ترتيبات غير رسمية للتعاون لخدمة المجتمع. واليوم، تعتبر المدينة "الزبالين" جامعي القمامة الرئيسين للقاهرة.

الزبالين، رجال القمامة
"الزبالين" وتعنى حرفياً باللغة العربية باللهجة المصرية رجال القمامة، مجتمع المقطم والذى ينحدر من المزارعين الأقباط والذين نزحوا إلى القاهرة في الأربعينات من منطقة البدرى في أسيوط في صعيد مصر. 

وبما أنهم  يعيشون في مستوطنات غير رسمية، اعتادوا التنقل  في أنحاء المدينة لتجنب السلطات. في أواخر الثمانيات استقروا في ستة مستوطنات غير رسمية منشية ناصر أكبرهم. هنا عند سفح جبل المقطم  بناء هذا التجمع ما أصبح فى النهاية مدينة القمامة في القاهرة (رسميًا منشية ناصر). واليوم، وتضم هذه المنطقة من  خمسون ألف إلى سبعون ألف شخص يعيشون في منازل متعددة الطوابق تم بناؤها يدويًا. 

يحافظ المجتمع على ارتباطه وأصوله الريفية وأيضًا يحافظ على تنظيم هذا التجمع من خلال الزواج والحفاظ على امتداد الأسر. وفى كثير من الأحيان، كل منزل يوفر مسكن لثلاثة أجيال وبالتجول في المنطقة يمكن للمرء بسهولة أن يشعر بالعلاقات الأسرية المترابطة في هذا المجتمع.

استمر مجتمع الزبالين بسبب ترابطهم المتين مع الهوية وأيضًا مع مكان الإقامة، بالاستقرار مع الأسر الممتدة وعدم مغادرة محل الميلاد طوَّر مجتمع الزبالين مسؤولية مدنية ومتبادلة أيضًا والتي من الصعب أن تتواجد في المدن الكبرى، مدينة القمامة تعتبر الملجأ الوحيد لطلاب مدارس إعادة التدوير في مصر والتي تم إنشاؤها من خلال رابطة روح الشباب (منظمة غير حكومية)، تم تصميم المناهج الدراسية حول إدارة النفايات وإعادة التدوير، وهكذا مواد مثل الرياضيات تدرس مع أمثلة من جمع النفايات. 

من خلال هذا النمط من التدريس، يتم تعليم  الشباب مهارات مفيدة ليس فقط في العالم خارج مدينة القمامة، ولكن أيضًا كأدوات لتطوير ممارساتها في الأسرة والمجتمع.

التكوين المعماري في مدينة الزبالين
مدينة الزبالين مثال عظيم على ما يحدث عندما يرفع المهندسين المعماريين والمخططين أيديهم عن تخطيط المدينة، ويقوم الناس بهذه المهمة.

على الرغم من أن الحي لا يزال غير رسمي وفوضوي من الخارج ولكنه وجد طريقة فى التعامل مع النفايات وتوفير الكهرباء، المرافق الصحية والتعليم ولا سيما الكنيسة والتى تلعب دورًا هامًا للشباب، في هذه الأيام حيث يغيب الدور الحكومي تمامًا عن المنطقة سواء في التمويل أو الصيانة، يقوم  المجتمع بهذا الدور حيت يعتني بالاحتياجات والخدمات، وأكبر مثال على هذا المجهود الكنائس السبع المنحوتة والمخبأة  في  كهوف جبل المقطم، دير القديس سمعان الدباغ والذي يحتوى على مدرج كبير بما فيه الكفاية لجلوس عشرون ألف مصلٍ. حجم  هذه  الكنيسة يجعلها الأكبر في الشرق الأوسط.

والمدينة خليط من المشروعات والأعمال التجارية الصغيرة، كل شيء موجود بسبب صناعة إدارة النفايات ، سواء كنت تبنى منزلًا جديدًا  سواء الأرضية أو غرفة، إعادة التدوير تعتبر محور أى تصميم مقرر. بينما تم تصميم المساكن التقليدية عادة للتصريف والتخلص من القمامة المنازل فى مدينة القمامة مفتوحة لإدارة تدفق ثابت من النفايات.

سواء كانت  المساحة عامة أو خاصة، فهي ومصممة بشكل بديهي حول نشاط  سبل العيش. جميع الهياكل مصممة لتعزيز عمليات إعادة التدوير والعمل مع عدم  وجود تخيط  مسبق أو منظم يجعل كل منزل فريد حيث يتم البناء طبقًا لموارد ومهارات السكان. 

على هيئة صولجان ذو أساليب وطرق مختلفة ولكن نظام واحد متعارف عليه في جميع التصاميم حيث أن الطوابق الأرضية مخصصة لإعادة التدوير بينما الطوابق العليا مخصصة للمعيشة  المدارس الكنائس والعيادات مصصمة بنفس الطريقة. وفي بعض الحالات، تقام على الطوابق العليا بعض المزارع الحيوانية الصغيرة، وعلى أسطح المنازل وتستخدم كالحدائق الحضرية أو مساحات لمولدات الغاز الحيوي.

الخنازير والمقاولين الأجانب والمضاربة العقارية
لقد تم  مهاجمة هذا النظام البيئي الفعال غير الرسمىي لمجتمع الزبالين من قبل السلطات في عدة مناسبات ومن الأمثلة على ذلك ما اتخذته الحكومة المصرية من إجراءات خلال انتشار وباء أنفلونزا الخنازير عام 2009، من أجل التخلص من أي بقايا للنفايات العضوية، أبقى المجتمع على عدة آلاف الخنازير لاستمرار عملية إعادة التدوير مجتمع الزبالين بالدرجة الأولى ذات أغلبية مسيحية، وقد وسمح لهم بالاحتفاظ بالخنازير في المدينة المسلمة. الخنازير لا تساعد فقط في التخلص من النفايات العضوية، ولكن أيضًا يتم بيعها كلحوم إلى مرافق سياحية كبيرة لتصل إلى 1,400 دولار للحيوان الواحد، ولكن في عام 2009 طرأت العديد من التغيرات حيث قامت الحكومة المصرية بذبح ثلاثمائة ألف خنزير عبر مصر وكانت الذريعة لذلك هي اتخاذ تدابير استباقية ضد أنفلونزا الخنازير، ولكن طبقًا لمنظمة الصحة العالمية فإن الخنازير لا علاقة لها  بهذا الوباء.  

الزبالين لم تعانى فقط ماليًا حيث فقدت أكثر من نصف دخلها بسبب هذه الإجراءات ولكن فقدت أيضًا عنصر حيوي في عملية إدارة النفايات، ونتيجة لذلك بدأت النفايات العضوية في التعفن في الشوارع وقد استغرق الأمر عدة سنوات للعودة إلى نفس  مستوى كفاءة 2009.

بيد أن مجتمع الزبالين قد أظهر مرونة كبيرة وقدرة على التكيف والتغلب على هذا التدخل. اليوم، تتواجد الخنازير مرة أخرى في مدينة القمامة لكن وجودهم مهدد.

حاولت السلطات المصرية إضفاء الطابع الرسمي على عملية جمع القمامة فى القاهرة بدعوة الشركات الأجنبية وطبقًا للبيان الرسمي تم تفعيل هذه الخطة لمعالجة مشكلة القمامة في القاهرة رسميًا أيضًا وتحسين إجراءات هذه العملية، إلا أن الكثيرين يعتقدون أن خطط الخصخصة وخدمات معالجة النفايات الصلبة من خلال التعاقد مع الشركات المتعددة الجنسيات ذات التكنولوجيا الفائقة هي جزء من خطة تم وضعها من خلال صندوق النقد الدولي في التسعينات، وبعض النظر عن الدافع وراء هذه الخطة فقد تم وضعت حيز التنفيذ  وتم جلب شركات أجنبية لجمع القمامة من أسبانيا وإيطاليا لجمع القمامة من شوارع  القاهرة، ومن يوم  إلى آخر تم إبعاد "الزبالين" عن أعمال القمامة بدون أدنى تعويض عن فقد مصدر كسب العيش.

مع القليل من المعرفة المحلية والكلام الموثوق منه من المواطنين، سرعان ما اكتشفت الشركات الأجنبية  أن جمع  القمامة في مدينة مثل القاهرة يمثل تحديًا كبيرًا. بدون تطبيق  القانون المناسب ووجود بنية تحتية  لإدارة النفايات، أدركت  الشركات الأجنبية ماذا تعنى الثقة والمرونة بالنسبة لأعمال جمع القمامة. حيث أنها لم تفشل فقط في فهم كيفية إدارة تدفق القمامة في مدينة مثل القاهرة، تجاهل أيضًا القادمين الجدد مسارات التجميع واستمر "الزبالين" في تجميع القمامة لهذه الشركات وتلقى أجر نظيرًا لذلك. أدركت الشركات أن إبعاد "الزبالين" عن العملية ليست خيارًا واردًا إذا كانوا يرغبون في البقاء في هذه الأعمال التجارية. 

وعلاوة على ذلك، بسبب الوصمة الاجتماعية المرتبطة بأن تكون  جامع قمامة، وجدت الشركات من الصعب تعيين موظفين، ونتيجة لذلك كان يتعين على هذه الشركات إعادة إدماج "الزبالين" في الأعمال المتعلقة بالقمامة وقد تم ذلك تحت مظلة اتحاد العاملين للتنظيف والتجميل وحماية البيئة وتمثل حاليًا ثمانية وثلاثون فرد مسجل رسميًا في هذه الشركات ينتمون إلى "الزبالين" .

ومن خلال ذلك، تم توظيف الزبالين رسميًا وأصبحوا الصوت الأهم في الأعمال المتعلقة بالقمامة. وبترتيب أوضاعهم، أصبح بإمكانهم الآن الحصول على حوالي عشرة جنيهات مصرية ما يعادل 1.3 دولار أمريكي  للمنزل الواحد. 

يمكن أن نتوقع  أن العامل الذي يعمل في متوسط 10 شقق في اليوم يحقق بقدر ما يعادل  312 دولاراً في الشهر. ومع ذلك لا يزال يعتبر مجتمع الزبالين محدود الموارد أو فقير نسبيًا، كما أن العديد من الأسر التي تعتمد على دخل واحد.

أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا، حيث ظهر تهديد جديد وهو المضاربات العقارية. 

كون مدينة القمامة قريبة من مركز التجارة والأعمال في القاهرة وكذلك كنقطة ثقافية وتاريخية فى القاهرة الإسلامية، يجعل المنطقة جذابة جدًا لمطوري العقارات، ونتيجة لذلك، فإن المجموعات العامة والمجموعات التي تمثل المصالح الخاصة اقترحت أن يتم إعادة توطين المدينة على بعد خمسة وعشرون كم من موقعها الحالي، بدعوى تحسين ظروف المعيشة لساكني المقطم وما حولها، ومن المعروف مع ذلك أن إعادة توطين لا تقود نظام جمع النفايات من القاهرة الكبرى فحسب بل أيضًا بمثابة تدمير لمجتمع الزبالين إلى الأبد. 

السياسة العالمية والفقر والزبالين
في ظل التفاوت الاجتماعي-الاقتصادي المتزايد منذ السبعينات وفتح باب التحرر الاقتصادي، وبرنامج التكيف الهيكلي لصندوق النقد الدولي في التسعينات، أصبحت الزبالين مجرد واحدة من العديد من المجتمعات الفقيرة في القاهرة، توجد  في مصر اليوم بالكاد الطبقة الوسطى حيث 26.3% من سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر. وأكثر من 40% من متوسط إنفاق الأسرة في مصر للطعام، والذي يشكل بالنسبة للأسر الأشد فقرًا أكثر من نصف ميزانياتها. بالإضافة إلى ذلك، لدى مصر"الفقراء العاملين"  – طبقة اجتماعية جديدة للعمال والتي وجدت في العديد من البلدان النامية – والذين يستطيعون بالكاد العيش على دخلهم. 

من دون النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي يستمر النضال للعيش في القاهرة. ستسمر الأحياء الفقرية والمناطق العشوائية في الزيادة والتي ستشكل ستكون من أفق المدينة لسنوات كثيرة قادمة. 

واليوم، زادت الأحياء الفقيرة في  القاهرة لاستيعاب 3-5 ملايين نسمة، حيث أن  25-35% من سكان القاهرة يعيشون في الأحياء الفقيرة أو حولها. قد تصبح القاهرة مدينة نظيفة فقط إذا نظمت الدولة الدور الذي يلعبه الزبالين. يجب أن يتقبل الكيان الرسمي هذه الترتيبات أو الأدوار غير رسمية بوصفها أمرًا واقعًا، وليس التعامل معها بسلبية بل بطرق أكثر ابتكارًا. وبهذا فقط يمكن أن تصبح القاهرة مكانًا أنظف. 

حيث تستحق المدينة ذلك. وعلى كل حال، فإن المصريين يسمونها أم الدنيا.

الرابط مصدر المقال

hadeer samy

hadeer samy

مترجمين المقال