اعرف كيف تحولت النفايات إلى كنز!

مبادرة إعادة التدوير الجديدة في مصر تحدث خلافا مع الملايين من جامعي النفايات
كيس النفايات
 هو ما نحصل عليه من خلال أكل وشرب المنتجات, ونحن نكتفي بذلك لأنفسنا ولا نسأل بعدها عن شيء.

التقيت بـ (صديق النقراشي)  واحد من ملايين جامعي النفايات المعروفين "بعمال النظافة" في القاهرة الذين يعتمدون كلياً على دورة حياة كيس النفايات في تحصيل سبل العيش.

يبدأ يوم صديق الساعة الثانية أو الثالثة صباحا بعد منتصف الليل بطرق أبواب الناس جامعا أكياس القمامة بواحدة من ألاف شاحنات النفايات وعند الساعة العاشرة صباحا تعود الشاحنات إلى "مدينة النفايات" وبذلك تبدأ المرحلة الصناعية، أطنان النفايات المجموعة يتم فرزها من قبل عوائل الزبالين التي توزع على العشرات من فرق العمل ذات الأداء العالي، لتخرج بعد ذلك منتجات ذات قيمة تدويرية.

"إذا أرادوا أن يسلبون مني كيس النفايات فيجب عليهم أن يتكفلون بي وبأولادي السبعة من خلال اللباس والطعام والتعليم حيث إني أحصل على كل تلك الاحتياجات من كيس النفايات ولا أطالب الحكومة بأي شيء، أخبر صديق : "المصري اليوم" أنه قلق وخائف من المشروع الحكومي الجديد وقال أيضاً : أن المشروع يهدد بالقضاء على مصدر دخله هو وجميع مجتمعه.

ويهدف مشروع "بيع نفاياتك" الذي أطلقته محافظة القاهرة في بدايات  شهر مارس إلى إنشاء أكشاك في أحياء مختلفة من المحافظة، حيث يتم بذلك تشجيع الناس على بيع العلب والزجاجات البلاستيكية والورق والكرتون بدلا من رميهم. وقد بدأ المشروع بكشكين في حي مصر الجديدة في القاهرة. ويتم إعداد أكشاك أخرى في مناطق أخرى في المحافظة.





قصة واحدة، ووجهان
وقد أثارت هذه المبادرة كثيرا من الجدل وعدم اليقين. حيث إن جامعي النفايات ، الذين اعتمدوا هذه المهنة الموروثة لأكثر من 70 عاما، يقولون إن المشروع  يتعدى على معيشتهم، في حين تصر الحكومة وأصحاب  الفكرة على أنها مربحة على جميع النواحي"اجتماعيا وماليا وبيئيا" ولن تضر أحدا.

وقال شحاتة المقدسي، رئيس نقابة جامعي النفايات ل "مصر اليوم" إن المشروع الجديد "سيقطع مصدر الدخل الوحيد للزبالين"، مؤكدا أن هناك ثلاثة ملايين جامع للنفايات في مصر "يعتمدون بشكل كلي على بيع وإعادة تدوير النفايات الصلبة" ولا يحصلون على رواتب أو معاشات تقاعد أو تأمين صحي من الحكومة.

أين هو دور الزبال الذي عمل منذ العام 1948 حتى اليوم، قال رئيس النقابة للحكومة: أنتم لا تتركون لنا أي فرصة للعمل.
وذلك أثناء حديثه الموجه للحكومة وهو محاط بأفراد مجتمعه الذين اجتمعوا في منزله لإيجاد حل.

و تقع فيلا مقدسي و التي هي أيضا مقر النقابة في مدينة النفايات، تحت منحدرات مقالع المقطم في جنوب شرق القاهرة.

وقد استقر هناك أكثر من 700،000 زبال منذ عام 1980،بذلك خلق أكبر مجتمع للزبالين في مصر.
وقال صادق حرمينا، المسؤول و وكيل نفايات الفنادق في مدينة النفايات أن: اليوم مجتمع الزبالين المتنامي غاضب ويحترق من الداخل و أخبر مصر اليوم: أنهم سيخرجون بحقوقهم و أن جميع الشوارع سوف تسد وتغلق.

صادق ذو 77 عاما قد دخل هذا المجال قبل 60 عاما، يقول اعتدت أن أحمل كيس النفايات على ظهري وأطرق كل باب ليجمع النفايات ويحملها نزولا على السلالم وقال أيضا أنه يفعل ذلك أثناء تنظيف السلالم أيضاً.

وفقا للمقدسي أن جامعي النفايات لم يستشاروا أو ينبهوا قبل بداية المشروع و على الرغم أنه تم دعوتهم للمشاركة بشكل جزئي، إلا أن الفرصة ستكون لفئة قليلة من مجتمعهم و أن مئات الآلاف تركوو وقد يصبحون بلا مأوى.





إن سكان مدينة القمامة ومجتمع الزبالين قلقون أيضا من تهديد المشروع الحكومي الجديد  لصناعة إعادة التدوير داخل المدينة 
وقال بدر روماني سكرتير جمعية "جامعي النفايات" "المجتمعية لمصر اليوم" إن مدينة  النفايات في المقطم  تتعامل وحدها مع 5000 طن من القمامة يومياً، 90٪ من هذه القمامة يتم إعادة تدويرها في ورش عمل داخل المدينة نفسها و يتم إعادة دمجها في الاقتصاد من خلال المصانع والشركات.

وبحسب بدر: يقوم جميع السكان البالغ عددهم 70 ألفاً  بالمشاركة في هذه العملية. ويقول أيضا: "إننا نصنف ونعيد تدوير جميع المواد الخام وندرس ونطور معرفتنا ونبني أجيال جديدة" مشيراً إلى أنهم يتعاونون حالياً مع أكثر من 7 ألاف مصنع في مصر و أيضاً يقومون بالتصدير إلى الصين.

ويغطي القطاع غير الرسمي 2،567،143 طن من النفايات سنوياً، ويعاد تدوير أكثر من 80 في المئة من ما تم جمعه ، مما يجعل المبيعات السنوية تصل إلى 197.5 مليون جنيه مصري. ومن جانب أخر، يغطي القطاع الرسمي 810،667 طنا، ويعاد تدوير 45 في المائة فقط من النفايات التي تم جمعها، وفقا لدراسة أجرتها الوكالة الألمانية للتعاون التقنيGTZ ومجموعة العمل التعاونية CWGالمعنية بإدارة النفايات الصلبة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.

وقال بدير ردا على مبادرة المحافظة: "سيتم إيقاف هذه الصناعة بالكامل بسبب المشروع الجديد، وستتوقف المصانع تبعا لذلك".

من جانب آخر، قال حافظ السيد رئيس الهيئة العامة للنظافة والجمال بمحافظة القاهرة ل "مصر اليوم" :  إن المشروع لم يؤثر على  سبل عيش الزبالين.

يقول حافظ السيد: إنهم يقومون بعملهم كالمعتاد، و نحن لم نعط ظهرنا لأي شخص ... إنه نظام كبير ونريد أن ينضم إلينا الناس، مضيفا أنهم دعوا الزبالين للمشاركة في النظام الجديد إما من خلال البدء كشك جديد في حي معين أو التعامل مع الأكشاك الموجودة حاليا.

كما صرحت نائبة البرمان الدكتورة شيرين فرج، وهي أيضاً رائدة في فكرة مشروع  "بيع النفايات" ل "مصر اليوم": بأن المشروع لن يكون له أي آثار سلبية على جامعي القمامة المحتاجين، بل سيحمي حقوقهم التي حيث يتعرضون حاليا لسوء المعاملة من قبل في زعيم صناعة النفايات.

وقالت شيرين فرج: "إن الزبالين هم الذين سيتعاملون بشكل أكبر مع الأكشاك و بسعر أعلى مما كانوا يحققونه من خلال صناعة ذلك بأنفسهم"، مؤكدة أنه "لم يتضرر أحد من المبادرة حتى الآن" وأن المشكلة لم تنشأ إلا من قبل "زعماء (صناعة النفايات ) الذين لا يريدون للزابالين بأن يعرفوا القيمة الفعلية للنفايات التي يجمعونها ".







وأدرجت البرلمانية أيضا خمسة فوائد رئيسية ينبغي أن تنتج عن فكرتها
أولاً -  خلق دافع فوري للمصريين لفهم قيمة النفايات، بناءاً على أن المواطنين يجب أن يتلقوا حافزا سريعا لكي يكونوا متحمسين لأي شيء.

ثانياً - إنشاء مشاريع صغيرة وتوفير فرص عمل، مع تحقيق فوائد اقتصادية للبلاد.

ثالثاً - دمج العاملين الجدد في هيكل الحكومة بحيث يصبحوا مواطنين جيدين ويدفعوا ضرائبهم بدلا من العمل خارج نظام الحكومة.

رابعاً -القضاء على ظاهرة الباحثين في النفايات.

خامساً - توفير ما يكفي من المواد لمصانع إعادة التدوير التي تطالب حاليا باستيراد القمامة لتلبية احتياجاتها.

وكان من المقرر عقد اجتماع في مقر نقابة جامعي القمامة أثناء الإعلان عن المشروع، وأجتمع عدد من البرلمانيين الذين يعارضون المشروع مع أعضاء رفيعي المستوى في مجتمع الزبالين لمناقشة الحلول الممكنة. 

وقال مقدسي ل "مصر اليوم" أنه تم إلغاء الاجتماع "لأسباب أمنية".








تدفق الأموال!
وبالإضافة إلى الخلاف المتوتر بين الحكومة والزبالين، أثار المشروع شكوكا بشأن تدفق الأموال، والمستفيدين من المشروع، وكفاءته البيئية الفعلية.

أين تذهب أرباح النفايات الصلبة؟ وهل ستذهب إلى صندوق تحيا مصر أم خزينة الحكومة أم إلى جيوب من الجشعين الذين يرغبون في سرقة قوت الزبالين الفقراء؟ "وطلب مقدسي من الحكومة تقدير الربح اليومي لكل كشك بما يزيد عن 9.000 جنيه.

الأستاذ صلاح الحجار، رئيس قسم الهندسة الميكانيكية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ونائب رئيس جامعة الإسكندرية. 
(وهي منظمة غير حكومية تعمل داخل مدينة القمامة)، قال أيضا ل "مصر اليوم" إن المشروع "أساساً استثمار" وليس كثير عن النفايات. 

وقال الحجار: يستهدف المشروع فقط النفايات الصلبة التي تصل إلى 20 في المائة من النفايات ... لأن سعر العلب المعدنية والبلاستيك وما إلى ذلك تضاعف ثلاث مرات تقريبا منذ تعويم الجنيه المصري في نوفمبر/ تشرين الثاني، متسائلا عن النسبة المتبقية البالغة 80 في المئة من النفايات.

وعندما سئل عن توضيح تدفق الأموال والمستفيدين من المشروع، قال سعيد: "يأتي التمويل من الكيان الذي ينشئ كشك، مثل المنظمات الوطنية ورجال الأعمال أو حتى الشباب الذين يرغبون في بدء مشروع جديد".

وأكد أن المحافظة لا تمول أي شيء وأن الربح المالي يذهب لمن يستثمر في الكشك الذي يتكلف 50،000-60،000 جنيه مصري ودفع الرواتب.







هل يمكن للمشروع فعلا حل معضلة 18،000 طن من النفايات اليومية في القاهرة الكبرى؟
وليست هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها الحكومة بإدخال مثل هذه المبادرة. في عام 2014، بدأت وزارة البيئة مشروعا مماثلا، تحت اسم "الفرز في المصدر".

 وكانت الفكرة الرئيسية لتشجيع الناس على فرز القمامة إلى كيسين في المنزل: النفايات العضوية والنفايات الصلبة. وقد رعى هذه المبادرة رئيس الوزراء وتعتمد على شراكات مختلفة مع الشركات الوطنية المسؤولة عن جمع القمامة وشركات التنظيف في كل حي، ومجموعات المجتمع المدني لمراقبة العملية وتوفير دورات التدريب والتوعية وجامعي القمامة " الزبالين " أنفسهم.

قبل عامين، في عام 2012، أطلق الرئيس محمد مرسي آنذاك مبادرة "الوطن النظيف"، وهي حملة تطوعية تطالب المصريين بالمشاركة في تنظيف أحياءهم. ويزعم أنها نجحت في إزالة 000 120 طن من القمامة في 22 محافظة. وفي وقت سابق، لجأت الحكومة حتى إلى مساعدة أجنبية في أوائل 2000القرن العشرين. ووقعت عقودا مع شركات إسبانية وإيطالية لتنظيف القاهرة مقابل ملايين الدولارات.

ومع ذلك، بعد نظرة على أرصفة القاهرة أو المناطق المحيطة بالطريق الدائري يبدو وكأن ولا واحدة من هذه المحاولات كانت ناجحة بشكل واضح على المدى الطويل.







ما الذي يمكن أن يجعل هذا المشروع الجديد، أو أي مشروع آخر، يبرز من المحاولات السابقة؟
يعتقد الحجار، الذي كان نشطا في مجال إدارة النفايات لأكثر من 30 عاما، الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تكون المبادرة الأخيرة ناجحة هي عن طريق شراء جميع القمامة وليس فقط النفايات الصلبة. وأوضح أن النظام الحالي سوف يشجع الزبالين على إنشاء سوق سريعة للنفايات الصلبة، والباقي سوف يترك متناثرة حول صناديق النفايات في كل مكان.

وأوضح حجار بعض المبادئ الأساسية لحل مشكلة القمامة في مصر، بدءا بتثقيف الجهات المعنية والحكومة حول مسؤولياتهم.

وتشمل الجهات الرئيسية المعنية بإدارة النفايات كلا من القطاع الرسمي (الحكومة المركزية، والحكومة المحلية، والوزارات، والشركات الصغيرة الرسمية الرسمية، والجهات المانحة الوطنية والدولية، ومولدات النفايات التجارية، والسكان والمنظمات غير الحكومية) والقطاع غير الرسمي (جامعي القمامة التقليدية (زبالين)، المشردين (ساريحة)، الوسطاء وسطاء بين المشترين و التجار وتجار الجملة من العناصر المشردة).

وقال حجار: "إن عملية إدارة النفايات في مصر عشوائية"، موضحة أن الحكومة لا تملك الأدوات اللازمة لتوجيه الوضع أو تحديد المسؤوليات. "يجب أن يكون للحكومة اليد العليا من حيث اللوائح والتفتيش ... دور الحكومة ليس مجرد جمع الرسوم).

كما أكد ضرورة معالجة مشكلة القمامة "بشكل كلي" بدءاً من مرحلة التجميع ومكان وسعة صناديق القمامة والتثقيف الصحي الأساسي. وقال حجار: "إن القمامة قضية أساسية وجوهرية، ويجب أن توفرها الحكومة، أو يجب  على أحد أخر أن يتحمل المسؤولية ".








العودة إلى "بيع القمامة"
ولا تزال الحالة المحيطة بمبادرة "بيع القمامة" الجديدة متأزمة وستبقى كذلك حتى يصل الجانبان إلى نوع من الحل التوافقي. 

وعلى الرغم من أن المدراء التنفيذيين للمشروع يدافعون عن مبادرتهم بأنها مربح للطرفين,  فإن الزبالين يعتقدون أنهم يتجهون نحو أزمة ويصرون على أنهم "لن يكونوا راضين حتى توقف الحكومة المشروع الجديد". 

قال ذلك رئيس النقابة نيابة عن الزبالين.

وقال مقدسي "إننا لا نعادي الحكومة ولكننا ندافع عن سبل عيشنا".

ولا يزال من الصعب تحديد ما إذا كان هذا المشروع الجديد سيحقق نجاحا فريدا أو سيجعله في المرحلة القادمة ولكن على الأقل، المعركة على القمامة تنبه المواطنين لمدى قيمة كيس القمامة في الواقع، كونه مصدر لا غنى عنه لكسب الرزق لملايين السكان، وكأصل مالي، إذا تم التعامل معه بشكل صحيح، يمكن أن يكون عاملا للمساعدة مصر في أوضاعها الاقتصادية الصعبة.





الرابط مصدر المقال

Maher Fareed Hamodah

Maher Fareed Hamodah

مترجمين المقال