مشكلات إدارة النفايات في منطقة موسكو

قسم الموارد الطبيعية في المنطقة الوسطى من روسيا

إن الثورة العلمية والتكنولوجية في القرن العشرين قد قلبت العالم وحولته، وقدمت للبشرية معرفةً جديدة ًوتكنولوجيا مبتكَرة كانت في الماضي مجرد خيالات. خلق اللهُ الإنسان وأعطاه أيضاً قدرةً مشابهةً على الخلق والإبتكار. ويبدو أن التفكير البدائي والنزعة الاستهلاكية للطبيعة والموارد الطبيعية تناقض هذه الخلفية. أصبح التدهور الحاد للبيئة هو الوجه الآخر للعملة الذي أعطى الإمكانية، والتي هي ممتعة جداً للشحص العادي لكي يشتري كل ما يحتاجه بشكلٍ عمليّ.

وكمثال حي علي تأثير الإنسان "كقوة جيولوجية" (علي حد وصف الأكاديمي Vernadsky للبشرية المعاصرة) هو تسمم التربة والمياه السطحية والجوفية والغلاف الجوي الملئ بالمخلفات التي تهدد باكتساح الأرض. لم يعد النظام البيئي لكوكبنا قادراً على "هضم" الأحجام المتزايدة من النفايات والمواد الكيميائية الإصطناعية الجديدة الدخيلة على الطبيعة.

وأحد أهم المبادئ في تحقيق التنمية المستدامة هو الحد من شهية الاستهلاك العام. وكنتيجة منطقية لهذا المبدأ هو أن مفهوم "النفاية" أو"الرفض" يجب استبعاده، ليس فقط من المصطلحات المهنية بل أيضاً من عقول الناس، واستبداله ب "الموارد المادية الثانوية" كمفهوم بديل لهم. وفي هذا العرض أحب أن أتناول عدداً من جوانب التخلص من النفايات؛ وهي مشكلة بيئية واقتصادية واجتماعية لمنطقة موسكو الكبرى في الظروف الراهنة.



الموقف الراهن مع النفايات في موسكو 

جُمعت عشرات الآلاف من المؤسسات والمنظمات البحثية عمليًا من جميع فروع الاقتصاد مناطق 100،000 هكتار: مرافق الطاقة، الكيمياء والكيمياء البتروكيميائية، أعمال البناء المعدنية والماكينات، الصناعات الخفيفة ومصانع تجهيز الأغذية. وتحتل موسكو أحد المناطق الرئيسية في مستوى الإنتاج الصناعي في الإتحاد الروسي، وهي مركز حركة مرورية كبيرة وتتحمل عبء ثقيل في سلسلة واسعة من المسؤوليات كونها عاصمةً للدولة. إن عبء التكنوجينسيس (technogenesis) على بيئة مدينة موسكو ومنطقة موسكو كبير جداً، وهو ناتج عن كل الاسباب السالف ذكرها، وأحد أهم المشكلات الأكثر حدة هو التأثير الضار لأحجام النفايات الصناعية والاستهلاكية. تحتوي النفايات الصناعية على مكونات كيمايئية كثيرة ومتنوعة.

على مدى السنوات العشر الماضية، شهدنا بشكلٍ رئيسي اتجاهات سلبية في الإنتاج الصناعي في موسكو بسبب الأزمة الإقتصادية في البلاد. موسكو؛ حيث اكبر الاعمال الصناعية، أصبحت عملياً راكدة تماماً وانخفض إنتاج السلع المُصنعة انخفاضا حاداً. وفي الوقت ذاته، أظهر تحليل مقارن في 1998-1999 لمؤشرات الناتج السلعي والخدمي وإمكانات الموارد أن معامل الاستخدام العملي للموارد الطبيعية لكل وحدة من المنتج، والتي كانت بالحري منخفضة في كل الوسائل علي مدي السنوات الماضية، بدأ يتراجع أكثر تدريجيًا. في الوقت الحاضر لدينا 25% فقط من الناتج الصناعي الذي كان لدينا في عام 1990، ولكن حجم المقدار المأخوذ من المياه لا يزال على نفس المستوى. وانخفض استهلاك الوقود بنسبة 18% فقط، وتقلصت نفايات الإنتاج المجمعة بنسبة 50% فقط. وتشير هذه الأرقام إلى المؤشرات المتزايدة لاستهلاك الموارد والزيادة في النفايات الناتجة عن الإنتاج الصناعي.

يتراكم في موسكو حوالي 13 مليون طن سنوياً من مختلف أنواع النفايات: 42% إعداد للمياه ومعالجة مياه الصرف الصحي و25% من الصناعة و13% من قطاع البناء و20% من الاقتصاد المحلي.


المشكلة الرئيسية لإدارة النفايات في مدينة موسكو تأتي من الوضع الحالي حيث يقع خارج المدينة في منطقة موسكو عدداً من مواقع إعادة التدوير والتخلص من أنواع معينة من النفايات الصناعية ومرافق لتخزين النفايات الخاملة للصناعة والبناء، والذي هو موضع تناول القوانين الأخري لدولة روسيا. ادارة النفايات الصناعية والبنائية الخاملة والتي تنشئ أكبر جزء من الحجم العام للنفايات والنفايات الصلبة، يعني ببساطة أنه في الممارسة اليومية سيتخلصون من نفايات في 46 موقعاً (مضلعات) في منطقة موسكو وفي 200 موقع  ليس مناسباً على الإطلاق من الناحية البيئية.

تقل حجم المخلفات المعاد تصنيعها عن 10-15% من الحجم المطلوب. وقد تم إتلاف 8% فقط من النفايات المحلية الصلبة (عن طريق إحراقها). وقد قمنا بتصنيف المخلفات الصناعية في مجموعات وفقاً لفئات عوامل الخطورة، فاتضح أن المخلفات التي لا تُمثل خطورة تُشكل 80% من الحجم الكلي، والفئة الرابعة للمخلفات قليلة الخطورة تشكل 18%، بينما تُشكل الفئة الأولى للثالثة للمخلفات الخطيرة 305%. وبذلك، فإن الجزء الأكبر من المخلفات لا يُمثل خطورة، وهو يزيد عن 32%. وتبلغ نسبة المخلفات العمرانية ومخلفات الحديد والصلب ومخلفات الفلزات غير الحديدية 15%، كما تبلغ نسبة المخلفات الورقية 12%، ونسبة المخلفات الخشبية 4%، بينما تُمثل المخلفات المعدنية والتي تندرج في الفئة الرابعة لعوامل الخطورة 37%، وتزيد نسبة مخلفات الخشب والورق والبوليمرات عن 8%، وتبلغ نسبة جميع المخلفات المطاطية 15%. ومن هنا يتضح أنه من الممكن إعادة تدوير معظم المخلفات بشكلٍ ناجحٍ وإدخالها في مجال التصنيع.

وترجع هذه العملية أيضاً إلى المخلفات المحلية الصلبة، حيث إن التركيب الشكلي للمخلفات المحلية الصلبة في موسكو قد تم تحديده من خلال فحص نسبة كبيرة من المخلفات القابلة لإعادة الإستخدام التي تبلغ نسبتها: 37.6% من المخلفات الورقية، و35.2% من مخلفات الأطعمة، و10% من المواد البوليمرية، و7% من المخلفات الزجاجية، وما يقرب من 5% من مخلفات الحديد والصلب والفلزات غير الحديدية. وتبلغ نسبة الورق الناتجة عن المخلفات التجارية 70% من حجم المخلفات المحلية الصلبة.

 
إن عدداً من البرامج والخطط التي وضعتها حكومة موسكو قيد التنفيذ حالياً، وتقوم هذه البرامج على جمع المخلفات والإنتفاع بها، كما تقوم  بالتخلص من المخلفات الصناعية والمحلية. لقد تم تطوير عملية إعادة تصنيع المخلفات بمدينة موسكو، وخاصةً في عملية تصنيع المنتجات والبضائع المعاد تدويرها. لكن هناك مشكلةً كبيرةً في إنشاء مرافق آمنة بيئياً للتخلص من المخلفات الضارة، والتي تندرج في الفئة الأولى والثانية  لعوامل خطورة المخلفات.

إن الإمكانيات الصناعية للمعادلة الحرارية المُخطط لها مُسبقاً سوف تتمكن من التصرف في 30% من المخلفات المحلية والمخلفات الصناعية الخطيرة. وليست هُناك أي فائدة لإحراق المخلفات باتباع الطرق التقليدية القديمة، ويجب إنهاء هذا العمل. وقد استمر العمل على إنشاء مراكز لمعالجة النفايات في المدينة خلال الخمسة أعوام الماضية. وفي غضون عامين، سيكون هناك ست من هذه المراكز؛ مما سيقلل عدد شاحنات القمامة من 1156 إلى 379، وخفض معدل تلوث الغلاف الجوي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التغيير في بناء هذه المراكز بمعدل طن واحد من مخلفات الفحم الحجري، سيعمل هذا التغيير على تقليل العبء على مواقع تصريف النفايات وزيادة معدل العمل إلى أربعة أو خمسة أضعاف. كما ستستفيد مشاريع نقل النفايات من ذلك بسبب قلة تكلفة وسائل النقل.

عند بدء تشغيل مجمعات فرز النفايات (10-12 موقع)، سيعمل ذلك على تقليل حجم المخلفات بنسبة 40%، بمعدل 1,200,000 سنوياً. وسيبلغ الحجم الكلي للمخلفات المحلية الصلبة التي تم حرقها أو أعيد تصنيعها 2,770,000 طن سنوياً، كما سيتم حرق 210,000 طن من المخلفات سنوياً. لذا، فإنه في خلال خمسة أعوام، سيتم عملياً تحقيق عملية إعادة تصنيع المخلفات المحلية الصلبة.


يُعتبر مُجمَّع فرز المخلفات إحدى العوامل الهامة المؤثرة عند إعادة تدوير المخلفات المحلية الصلبة للإنتفاع بها، حيث إنه يُسهل عملية إعادة تدوير المخلفات وإعادة تصنيع المواد الثانوية. وسوف تتطلب التطورات المستقبلية لعملية فرز المخلفات المحلية الصلبة وتدويرها، ستتطلب ترويجاً وتحسيناً للثقافة البيئية وللسلوك اليومي للمجتمع.

وفي السنوات الأخيرة، أدت الزيادة المرتفعة في عدد السيارات بموسكو إلى ارتفاع نسبة التلوث في الغلاف الجوي، بالإضافة إلى تراكم وتكدس المخلفات الناتجة عن المَركبات. وبالإضافة إلى إلقاء النفايات في المناطق السكنية والترفيهية، فإن السيارات تُمثل مصدراً للتلوث السام للأراضي والمستودعات. وفي الوقت ذاته، تُعتبر نفايات السيارات مصدراً جيداً للمخلفات المعاد تدويرها. وفي خلال مدة قصيرة، فإنه يجب على موسكو أن تحل مشكلة تجمُّع المَركبات المعطلة ومخلفات السيارات للإنتفاع بهما، وذلك بالتركيز على مشروعات القطاع الخاص. كما أنه قد تم وضع نظام لتجميع المخلفات المحلية الكبيرة ومخلفات المعدات الإلكترونية للإستفادة منهما، وتم وضع هذا النظام في قائمة الأولويات.

وفي عام ١٩٩٩ بموسكو، قد تم إنتاج المعدلات التالية من المواد الثانوية الخام أو أُعيد تدويرها، وتبلغ نسبة هذه المعدلات: 300,000 طن من المخلفات المعمارية و296,000 طن من المخلفات المعدنية و٢٦٥ طن من الرصاص الموجود ببطارية السيارات و21,000 طن من الزجاج و62,500 طن من المخلفات الورقية و4.328 طن من مخلفات المحامل الزيتية و٣٠٦ طن من المخلفات الناتجة عن حصاد النباتات. ولا يتم إعادة تدوير مثل هذه المواد الثانوية التقليدية كالمخلفات المعدنية والورقية في موسكو، لكن يتم شحنها إلى أماكن أخرى بروسيا.


 تطلب العمل العالمي على فرز المخلفات الصناعية والمحلية وإعادة تدويرها، يتطلب تأسيس صناعات للمواد الثانوية، وإلا ستصبح عملية فرز المخلفات عديمة الجدوى. هناك عوامل مقيّدة لتنمية نظام فعّال للاختيار المتنوع للمواد الخام والثانوية ولفرزها وإعادة استخدامها. وتشمل هذه العوامل النقص في إمكانيات التصنيع وفي الوسائل التكنولوجية المناسبة لعملية إعادة التدوير الثانوية. ترتبط المشكلة الناتجة عن استخدام المخلفات، ترتبط بشكلٍ وثيقٍ بمشكلة الحداثة وتتطلب في بعض الأحيان إعادة هيكلة الصناعات الأساسية. ومن هنا، فإننا نحتاج إلى الاستخدام العملي للمعدات لاستهلاك طاقة أقل ولإنتاج حجم أصغر من المخلفات، ونحتاج أيضاً إلى التحول إلى استخدام المواد الخام البديلة. وبالتالي فإن المشاريع الكبيرة -التي تُعتبر المنتِج الأساسي للمخلفات الخطيرة- أصبحت في موقف مالي حرج، حيث إنها تُعتبر عائقاً للمضي قُدُماً في هذه الإجراءات.

أصبحت المشاريع الخاصة وصغيرة الحجم تدرك الآن الربح الاقتصادي من الاستخدام المعقول للمخلفات. فعلى سبيل المثال، بدأت شركة (ساتوري) عملها كمنظَمة لوسائل المواصلات المخصصة في إزالة المخلفات من المباني المهدمة والمباني المُعمَّرة. وتستفيد هذه الشركة الآن من إعادة تدوير هذه المخلفات، وقد طورت وسائل تكنولوجية مناسبة لإنهاء المباني مع فرز المخلفات الناتجة عن البناء. لذا، وكما ذُكر سابقاً، فإن المهمة الأولى لموسكو هي وضع أساس لعملية إعادة تدوير المخلفات.

الرابط مصدر المقال

Nada Katoon

Nada Katoon

مترجمين المقال
Ayat Ayman Halawa

Ayat Ayman Halawa

مترجمين المقال