لماذا توجد وفرة في مصادر الطاقة غير المتجددة بينما تنعدم هذه الوفرة في المصادر المتجددة؟

المشكلةُ التي يواجهها العالم هي أن العديد من مصادر الطاقة المُهددة بالفعل هي المصادر المتجددة وليست المصادرغير المتجددة كما هو مُفترض دائمًا.

 إن العديدَ من مصادرِ الطاقةِ المتجددة الموجودة على كوكب الأرض تُستغل أستغلالًا مبالغ فيه بشكل جنوني. ويبدو أن المجتمع البشري عاجز عن الأتفاقِ على قواعدِ خاصة بحمايتها. وينسحب ذلك على الأسماك، والثدييات كبيرة الحجم، والمياه العذبة، والأخشاب، والهواء النقي وتستمر القائمة بلا نهاية.

وفي المقابل، أصبحت العديدُ من مصادرِ الطاقة غير المتجددة موجودة بكثرة وتتسم أسعارها في الفترة الراهنة بانخفاضٍ تاريخي.

والسؤال هنا هو كيف أصبح الأحتياطي من الموارد غير المتجددة على ما يبدو غير قابل للنضوب؟

مسألةُ النفطِ

ظلت المخاوف من نضوب النفط موجودة لسنوات. و خلال العقد الأول من القرن الحالي, عززت النظرية المعروفة بأسم "قمة هوبرت" من الرأي القائل بأن العالم قد بلغ القمة في القدرة على إنتاج النفط. ولكن الأحصاءات المتعلقة بأحتياطي النفط وإنتاجه تشير لرأي مختلف.

 في عام 1980, بلغت كمية الأحتياطات المثبتة 700 مليار برميل وبلغ حجم الإنتاج ما يقرب من 23 مليار برميل مما يعني أنه عندئد  كان لا يزال هناك 30 عامًا حتى ينفد النفط. ولذلك كان من المفترض أن ينفد جميع النفط  المتوفر منذ عام 1980 بحلول عام ,2010 ولكن بحلول عام 2010 أزدادت الأحتياطات المثبتة لحوالي 1600 مليار برميل وأرتفع معدل الأستهلاك ليصل إلى 30 مليار برميل سنويًا و لا يزال هناك 50 عامًا حتى ينفد النفط.

هناك طريقة أخرى للنظر إلى الأمر وهي النظر إلى المدة اللازمة لنضوب الأحتياطات المثبتة في أي وقت كان. إن الأحتياطات المثبتة عام 1980 نفدت بحلول عام 2007 أي بعد 27 عام فقط والأحتياطات المثبتة عام 1985 نفدت عام 2014 أي بعد 29 عام والأحتياطات المثبتة عام 1990 ستظل موجودة حتى 2022 أي لمدة 32 عام. و على الرغم من أن معدل الأستهلاك في تزايد فإن الإحتياطي المتوفر في أي وقت كان يستمر لفترة أطول .

يخبرنا حدسنا أن موارد العالم محدودة. ولكن المثال الذي أمامنا يشير إلى أن أحتياطي النفط قد نما خلال الخمس وثلاثون عام الماضية رغم أن معدل استهلاك النفط قد أزداد. 
هل خذلنا حدسنا؟

المفارقة ما وراء النفط.

المثال الخاص بالنفط ليس بالمثال الفريد من نوعه. حيث أن هناك العديد من المواد الأخرى التي تُستهلك دون خوف من نضوب الأحتياطي منها. على سبيل المثال, أرتفع معدل إنتاج النحاس ليبلغ ستة أضعافه في غضون الخمسين سنة الماضية في حين أزدادت نسبة الأحتياطات بالنسبة للإنتاج  من 40 إلى 80 عام قبل أن تنخفض من جديد إلى 50 عام.

وإن مثال النحاس مميز بشكل خاص لأن النحاس يُعاد تدويره بشكل واسع النطاق لذلك فإن الزيادة لستة أضعاف في الكمية التي يتم أستخراجها من المناجم أمرٌا بالغ الأهمية. وعلاوة على ذلك، فكّر فيما يعنيه كون نسبة الإحتياطات إلى الإنتاج تصل إلى 80 عامًا. يعني ذلك أنك إذا أكتشفت مخزونًا جديدًا من النحاس فربما  عليك الانتظار مدة تصل إلى 80 عام حتى يصبح إنتاج النحاس الذي أكتشفته أمرًا يجدُر فعله. الاستكشاف الجيولوجي ليس بالأمر الرخيص التكلفة. لا يحب أحد أن ينفق المال على الاستكشاف الذي سيدر ربحًا فقط بعد مرور عقود متتالية.

 إن الأنماط الخاصة بأحجام الإنتاج ونسبة الأحتياطات إلى الإنتاج لمعظم الموارد غير المتجددة شبيهة بالأنماط الخاصة بالنحاس. أزداد الإنتاج بشكل لا يمكن إيقافه ولكن الأحتياطي قد ازداد أيضًا. يمثلُ الرصاصُ، و الزئبقُ والأسبست أمثلةَ مضادة. ساهمت المشاكل الصحية في خفض الطلب على المورد إلى مستويات منخفضة وأصبحت نسبة الأحتياطات إلى الإنتاج كبير للغاية.

حل المفارقة

 هناك العديد من العوامل التي ساهمت في حدوث هذه المفارقة. أول عامل هو التفكير في ما يعتبره البشر" أحتياطي" حيث يوجد بكوكبنا العديد من الموارد لكن تتحول هذه الموارد الى أحتياطي في حالة عثور أحدهم على طريقة ما للاستفادة من مادة المورد.

على سبيل المثال، يمثل الألومنيوم 8% من القشرة الأرضية. أي أن  غلاف الأرض الصخري يحتوي على حوالي 70000000 مليار طن من الألمنيوم. ولكن الأحتياطيات الرئيسية من الألومنيوم توجد في خام البوكسيت الذي يضم 8 مليار طن ألمونيوم أي ما يعادل واحد على عشرة مليون من المورد. لذلك فإن الأحتياطي يمثل جزء ضئيل جدَا من المورد وينطبق ذلك على العديد من الموارد غير المتجددة. وعلى النقيض من ذلك فإن أستخدامنا للموارد المتجددة يمثل جزء كبير من الأحتياطي الطبيعي منها.

كان الألمنيوم أكثر تكلفة من الذهب حتى اكتُشفت طريقة فعالة لإنتاجه من البوكسيت في أواخر القرن التاسع عشر. ومنذ ذلك الحين انخفض سعره بينما ازداد حجم إنتاجيته. يوضح ذلك خاصية أخرى للموارد غير المتجددة وهي أن التكنولوجيا تحدد تكلفتها، وأنه كلما زاد حجم الإنتاج، انخفضت التكلفة النسبية.

ويظهر ذلك جليًا في حالة النحاس. كان مورد النحاس قبل عصر الثورة الصناعية عادة ما يحتوي على 5% من النحاس وبلغت تكلفة كيلو النحاس ما يعادل 50 دولار. ولكن استحدث العلماء تكنولوجية جديدة عام 1970 و أصبح اليوم ما يقرب من ثلث إجمالي النحاس الجديد يُنتج من خامات ذات درجة نقاء منخفضة عن طريق تذويب النحاس مباشرة من الصخر المُهشم (الحصى) و استخلاص النحاس من المحلول بعد ذلك باستخدام مذيب خاص. وانخفض سعر كيلو النحاس إلى 2 دولار مع بداية القرن الحالي وأرتفع بشدة إلى 8 دولار بعد 2004 وبدأ حاليًا في الانخفاض إلى 4 دولار.

لذا فإن درجة نقاء المادة الخام قد انخفضت مع مرور السنين بشكل مستمر وبينما  كانت تنخفض, ظهرت تكنولوجيا جديدة لمعالجة كمية أكبر من كمية أقل.

بدائل أرخص في التكلفة و أكثر أمنًا

 إن التكنولوجيات المُستخدمة للتعرف على ما يُحتمل أن يكون أحتياطي و التقدير بشكل كمي ما يمكن أن يُحدثه قد تقدمت بشكل كبير. و مع أكتساب المزيد والمزيد من البيانات فإن  النماذج الجيولوجية تتحسن بشكل مستمر. إن التقنيات المادية المستخدمة في التعرف على الهياكل الجيولوجية قد تطورت إلى درجة عالية من التقدم. وتُمكّن معالجةُ البيانات من التصوير المُجسم لجوف الأرض.

والآن تسمح تكنولوجيا الحفر بجمع العيّنات بدقة من هياكل تقع تحت سطح الأرض بمئات الأمتار. وقد ساهمت كل هذه الأوجه من التقدم إلى تقليل الوقت اللازم للتعرف على الأحتياطي المُستهدف وتقليل المخاطر الكامنة في اتخاذ القرار باستهلاكه .

 هناك عامل أخير يساهم في عدم نضوب الأحتياطي من مصادر الطاقة غير المتجددة وهو حقيقة أن هناك مواد أخرى تظهر لتحل محلها بسعر أقل. على سبيل المثال، اعتمد نظام توزيع المياه للأمبراطورية الرومانية على أنابيب الرصاص. فمن المرجح -لأن الرصاص هو معدن نادر نسبيا- أننا كنا سنستخدم جزء كبير من هذا المورد لو كانت أنظمة السباكة في العالم ما زالت تعتمد على الرصاص بنفس الحجم ولما تمكن أحد من تحمل تكلفته. ولكن، بالطبع، تعلمنا استخدام مواد أخرى بتكلفة أقل بكثير وتجنبنا في الوقت نفسه المخاطر الصحية. و لربما كان الاحتياطي الأصلي للرصاص سيكون صغيرًا جدًا بالنسبة لاحتياجاتنا، إلا أن الإبداع البشري قد تجنب ما كان من الممكن أن يمثل للرومان مشكلة غير قابلة للحل.

تهديد متجدد

والسؤال هنا هو  كيف أصبح الأحتياطي من الموارد غير المتجددة على ما يبدو غير قابل للنضوب؟ ترجع الأجابة إلى حقيقة كون الكمية المُستهلكة تمثل جزء ضئيل جدًا من المورد. وعلاوة على ذلك، فإن التقدم المُحرز في تكنولوجيا الاستكشاف والاستخلاص يعني أن الأحتياطي الاقتصادي يمكن أن ينمو -بل قد نما بالفعل- حتى في الوقت الذي يزداد فيه معدل الاستهلاك.

وعلى النقيض من ذلك، يشكل الجزء الضئيل من مواردنا المتجددة التي تُستهلك جزءًا كبيرًا من إجمالي المورد بالقدر الذي يسبب خسارة الأنواع ويجعل الأجيال المقبلة بالفعل مهددة.

الرابط مصدر المقال

Laila Younes

Laila Younes

مترجمين المقال