لماذا تعد استراتيجية إنجلترا لجمع القمامة أشبه "بالقمامة"؟

في بداية هذا العام وضعت إنجلترا أولى إستراتيجيات جمع القمامة فكانت لحظة انتصار لعدة مجموعات منها "كيب بريتين كلين" -حافظوا على نظافة بريطانيا- والتي قامت بعدة حملات تندد بمثل تلك الخطوة طوال عقود، فبالإشارة إلى الدليل الراسخ بأن القمامة تستنزف مئات الملايين من مسددي الضرائب حتى تتم إزالتها مما أثر سلبيا ً على التجارة، وجعل السكان في حالة حزن وغضب أعلنت الحكومة الحرب على القمامة، ولكن تبقى مشكلة واحدة: فليس من المحتمل أن تحقق هذه الإستراتيجية النصر المرغوب.

طبقا ً للاستراتيجية التي وافق البرلمان على وضعها تحت الاختبار سيتم شن الحرب عن طريق تغييرات في أساليب التصرف، أما عن الخصم وهي أكوام القمامة فستُقهر عن طريق مزيج من العلم و العقاب، كما سيُجند المواطنون الذين يعيشون في الشوارع ذات القمامة المتناثرة بالمدن الإنجليزية، بالإضافة إلى المواطنين الذين يترددون على الشواطئ الرملية والتي تمتلئ سواحلها بالمخلفات البلاستيكية.

و من جانبه أعرب وزير الحكومة المحلية ماركوس جونز وهو عضو بالبرلمان عن أسفه عند تقديم الإستراتيجية بأن المناطق العامة في إنجلترا قد فسدت بسبب التصرف الأناني من الأقلية، ولكن هذا التركيز الساذج على ملقي القمامة يغفل عدة أسباب هامة أخرى لمشكلة من أعظم مشكلات إنجلترا.




خطة غير فعالة

مما لا شك فيه أن بعض القمامة يتم إلقائها دون عمد، حيث تشير الدراسات إلى أن الشباب ذوي الدخل المنخفض هم المشتبه فيهم لإحداث هذه الفوضى فيمكن أن يكون دافع هؤلاء الفتيان هو الكسل أو عدم إحترام البيئة المحلية أو الاستهزاء بالسلطة، كما يقوم بعض البناه و التجار بتفريغ القمامة بشكل غير قانوني وذلك لتفادي دفع رسوم التخلص من القمامة حيث إنهم يستغلون الأزقة الضيقة البعيدة عن الأعين وعمليات التفتيش التي تقوم بها المجالس المحلية بالإضافة إلى عدم اهتمام العامة بالنظافة في المناطق الملوثة بالفعل والتي عادة ما يكون دخولها ممنوع.

ولكن البحث الذي أقيم في حي موس سايد بمدينة مانشستر يوضح أن معظم القمامة التي تُلوث المدن هي النتائج العكسية للخلل في الأمور الهيكلية.

وتعني الإجراءات التقشفية أن السلطة المحلية تمتلك موارد أقل للتعامل مع قضية القمامة، فعلى سبيل المثال تم تقليل عدد سلال القمامة التي تجرها العجلات والتي تسع 100 لتر وذلك لدفع العامة للتخلص من النفايات بشكل أقل والقيام بإعادة التدوير بشكل أكثر، مما نتج عنه إمتلاء تلك السلال بما يفوق طاقتها الاستيعابية؛ تاركين القمامة المتبقية في مهب الريح، مما ينتج عنه معاناة رجال النظافة المنهكين في التعامل مع القمامة الملقاة في الشوارع، ويعانى العامة أيضًا من مشقة البحث عن سلال القمامة، مما يدفعهم لتركها على الأرض، وبالتالي تلتقط الطيور والحيوانات بقايا الطعام من الحقائب البلاستيكية مسببة ً الفوضى على نطاق أوسع.

وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية تذكر بعض الأسباب الأخرى للمشكلة، إلا أن تعقيد المشكلة يتزايد بسبب التركيز الشديد على تغيير السلوك الفردي والحاجة للتعليم، ولكن تظل تلك الخطة صعبة التنفيذ في حي موس سايد، والذي يعتبر موطنًا للعديد من الطلاب الذين يدرسون في الجامعات الحاصلة على جوائز برامج التعليم المستدامة، حيث غالبًا ما يجد السكان المحليون الفضلات التي لا يرغب بها الطلاب، وبقايا الطعام وأوراق دراسية قابلة لإعادة التدوير في الأزقة، وذلك قبل التخلص منها على نفقة المجلس المحلي أو تناثرها بفعل نسمة هواء.

و يثير البحث الذي أقيم بعض التحديات لإستراتيجية التعامل مع القمامة و التي تعتمد على إجراء المقابلات مع مجموعات متابعة سلوك السكان المحليين، والتي يكون معظم أعضائها من النشطاء الإجتماعيين الحاصلين على جائزة مدينة مانشستر للنظافة تدعى "الإرتقاء بمدينتنا."

فتسعى تلك الإستراتيجية إلى انتقاء القمامة من خلال الإستعانة بمتطوعين متحمسين و مخلصين كما تسعى لتمكين الجمعيات المحلية لرصد جوائز و تنظيم أيام وطنية للتنظيف و التي تشبه حملة "نظف من أجل المملكة" و التي تم تنظيمها عام 2016، و رغم ذلك فإن النشطاء الموجودين في الخطوط الأمامية ليسوا مقتنعين بأن التطوع هو أفضل الطرق للتعامل مع مشكلة القمامة في أحيائهم.

يميل الفقراء إلى العيش في بيئة فقيرة، وغالبا ما يفتقدون إلى القدرة على تغيير ظروفهم، و بالتالي فإن المجتمعات التي تعاني من أسوأ الظروف في مشاكل القمامة أصبحت الأكثر إحتمالية لمعالجة تلك المشكلات، أوعلى الأقل تنظيمها، ووفقًا لملف التعريف عام 2015 فإن سكان حي موس سايد يميلون إلى السكن في شقق عابرة منخفضة التأجير كما يقومون بالتشارك في السكن حيث تشير الإحصائيات إلى أن 60% من الأسر تتضمن أفرادًا يتطلبون مستوى عال من الدعم.

إن مسألة التنقل والآثار المترتبة على سياسات التقشف في مناطق مثل موس سايد تعني أن عدد الأفراد القادرين على تغيير الأوضاع قليل، في حين أن إستراتيجية التعامل مع القمامة تزود الأبحاث بمعلومات حول هذه النقطة حيث تستجيب لدعوات الإرتقاء باستخدام تطبيقات الإبلاغ عن القمامة وإرسال رسائل حماسية تحث العامة على الاشتراك في معركة ضد الفوضى التي تعكر حياتهم.

وحتى إذا كان بالإمكان تدريب تلك الجمعيات المحلية وتمكينها فسيبقى السؤال: هل تعتبر مشاركة السكان المحليين في تنظيف القمامة سلوك صحيح في ظل إستراتيجية الحكومة الناعمة مع مسببيها؟




مباشرة إلى المصدر

تسعى الاستراتيجية إلى "الحد من إمكانية تحول التعبئة والتغليف إلى قمامة" معظمها باستخدام تسميات مضادة للقمامة في التعبئة والتغليف، حيث توجد مؤشرات قليلة جدًا إلى النية في تنظيم وتقنين القمامة عند المصدر، حيث إن القمامة الموجودة في آخر مراحل إعادة التدوير تتضمن الإنتاج والاستهلاك والتخلص حيث تمثل تلك الحلقة التي يعتبر فيها المستهلك أضعف طرف حيث لا يملك أية قدرة على تغيير أوضاع القوة.

وبينما تبنى مؤلفو البحث النظرية غير المثبتة لركل القمامة دون التعرض للمساءلة القانونية فإنهم يشيرون إلى أننا بحاجة إلى مزيد من الأبحاث قبل تنفيذ الخطط التي تم إختبارها وإقتراحها و ثبتت فعاليتها في دول أخرى.

و قد نتج عن هذا المنطق الملتوي إستراتيجية تحث العامة على إلقاء القمامة ف السلال الممتلئة عن آخرها وذلك بدلًا من اللجوء للشركات المختصة لتحويلها إلى مواد غير سامة وقابلة للتحلل الحيوي، فهي استراتيجية تشجع المجتمعات على تنظيم حملات للتنظيم بصورة منتظمة بدلًا من معاقبة شركات الوجبات السريعة والتي تملأ الشوارع بالحقائب البلاستيكية التي تحتوي على شعاراتها فهي استراتيجية تجعل عملية إعادة التدوير أسهل للأفراد ولكنها لا تحقق البيع العكسي و الذي يعادل التدوير مع النقدية كما أنها لا تحظر بيع العبوات البلاستيكية التي تستخدم مرة واحدة كما حدث في كوستاريكا وكينيا.

إن تعليم الأفراد وتمكين المجتمعات المحلية لن يضع حدًا لأماكن تفريغ العبوات البلاستيكية التي تلوث المساحات الحضرية، حيث إن الحد من النفايات عند المصدر والانتقال من مجتمع "لا يحتوى على نفايات" – كما تبنتها الحكومة الإسكتلندية – يجب أن يكون الحل رقم واحد في المعركة ضد القمامة.

الرابط مصدر المقال

هدير رضا فتحي

هدير رضا فتحي

مترجمين المقال