القمامة وما تملكه من قوة

شراكة بين جامعي القمامة بمصر وأكبر منتج للأسمنت في العالم تقدم حلولًا  لأكثر من مشكلة.
يحصل جامعو القمامة بمنشية ناصر_ والذين يطلق عليهم باللغة العامية اسم الزبالين_ على رزقهم من خلال التنقيب في الآلاف من أكوام القمامة ذات الألوان المختلفة ليبحثوا عما يمكن إعادة استخدامه وما يمكن بيعه وما يمكن إعادة تدويره من أكوام  القمامة التي يحضرونها لمنازلهم كل يوم.

في كل ركن من المنطقة... في الشوارع.. في الأزقة وحتى فوق أسطح المنازل ترى جبالا من القمامة، وتعد عملية جمع القمامة مهنة الرجل بينما تتولى النساء فرز القمامة، وتتسلم منشية ناصر نحو 5000 طن من القمامة والتي يمكن أن تملأ ست حمامات سباحة أوليمبية تقريبا.

تخيل أنه عندما ترمي زجاجة لبن فارغة فإنها قد تعود إليك في صورة دفتر جديد تماما أو في صورة طبق بلاستيكي قابل للرمي وإذا رميت الطبق فإنه سيعاد تدويره أيضا ويعود إليك في صورة شعر المقشة، تعد أنظمتنا البيئية مصدر إلهام ثري  لمصطلح علم البيئة الصناعي حيث تصبح مخلفات منتج ما مصدرا لآخر.

وربما تقدم Lafrage _المورد العالمي لمواد البناء ومقرها فرنسا- نموذجًا حيًا لعلم البيئة الصناعي الذي ترتبط الصناعة من خلاله ارتباطا مباشرًا بتحقيق التنمية المستدامة والمساهمة في تحسين البيئة.

وقد ألهم مصطلح علم البيئة الصناعي Ecocemالشركة التابعة ل Lafrage في مصر ودفعنا الشعور بالمسؤولية تجاه البيئة إلى مشاركة مجموعة من جامعي القمامة من منشية ناصر لكي تزود هذه الشركة المنتجة للأسمنت بالوقود المشتق من النفايات  Refuse Derived Fuel(RDF) وهو وقود يصنع من النفايات المحلية القابلة للاحتراق مثل البلاستيك والقمامة الني تتحلل عضويًا لكي تستخدمه في صناعة الأسمنت.

سوء إدارة القمامة في مصر
ويظهر بحث لتقييم مصادر الطاقة الحيوية ومقومات الطاقة بمصر أن مصر تنتج نحو34. 6 مليون طن من النفايات الصلبة المحلية بالإضافة إلى 12.3 مليون طن من الكتلة الحيوية أو فضلات الحيوانات ومواد نباتية والتي تستخدم كمصدر للطاقة.(1)

وبالرغم من أن هذه الأرقام تشير إلى مقومات هائلة للطاقة المتجددة في مصر، إلا أن جهود الحكومة_طبقا لهذا التقرير لا تزال ضئيلة فيما يتعلق بإنشاء نظام فعال لإدارة عملية التخلص من القمامة.

إن حجم القمامة الصلبة يتصاعد مما يجعل عملية التخلص من النفايات أكثر صعوبة خاصة في ظل معدل الاستهلاك المرتفع لأعداد السكان المتزايدة، ويحدد عمرو العقادي المدير العام ل  Ecocem ثلاث مشاكل تتعلق بإدارة القمامة في مصر وهي: انعدام الوعي البيئي  وزيادة كميات القمامة عن سعة مكبات النفايات في مصر وعدم وجود الحافز الكافي الذي يشعر  جامعي القمامة بقيمة عملهم وفائدته للمجتمع.

النفايات كوقود بديل "حل ابتكاري"
طورت Ecocemطرقاً جديدة تمكنها من استبدال الوقود الحفري في عملية الإنتاج في محاولة منها للحد من الآثار السلبية على البيئة.
من الممكن أن يعاد تدوير النفايات الصناعية (مثل البلاستيك) و الزراعية مثل (مخلفات الأرز والبن) وحرقها في أفران الأسمنت كأنواع من الوقود البديل، وعلاوة على تخفيض نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الجو، تقدم  هذه الطريقة حلا فعالا للقضاء على مشكلة التخلص من النفايات مما يعفي المجتمع من الحاجة إلى معالجة النفايات أو وجود فائض للمخلفات.(2)

تفضل Lafrage أن تستخدم النفايات الصلبة كوقود بيئي بديل حيث أعادت تدوير ما يربو على 7.3 مليون طن من النفايات والمواد العضوية ومنتجاتها الفرعية عام 2008، وتعد هذه الشركة الثرية أكبر مستخرج للمواد الخام، وبالإضافة إلى الحجر الجيري المسحوق وهو نوع من الصخور الرسوبية والطفلة المستخرجة لصناعة الأسمنت، يستخدم الوقود الحفري مثل الفحم لتسخين الأفران التي يصنع فيها الأسمنت.

لكن استخدام الوقود الحفري له آثار سلبية فهو غير متجدد كما أنه يطلق غاز ثاني أكسيد الكربون أثناء عملية الصناعة، ويظهر تقرير أصدرته Lafrageعن الوقود البديل والبيئة أن صناعة الأسمنت وحدها مسؤولة عن 5% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن الصناعة العالمية.

بادرت Lafrageبمواجهة التحدي لإيجاد بدائل  للوقود الحفري بدون أن تخاطر بجودة الأسمنت كما ظلت مواكبة للمنافسة في السوق.

الوقود المشتق من النفايات مصدر للوقود البديل في مصر
ولأن القاهرة هي العاصمة وتعدادها أكثر من 9 مليون نسمة طبقا لإحصائيات التعداد السكاني العالمي لعام 2013 فإنها تخلف أطنانا من النفايات يوميا.

ومن خلال النفايات الصلبة والمحلية التي تتضمن البلاستيك والإطارات يصنع الوقود المشتق من النفايات RDF عن طريق تمزيق القمامة الصلبة وتجفيفها ويعتبر الوقود المشتق من النفايات وقودا بديلا والذي يمكن أن يحل محل الوقود الحفري في عملية صناعة الأسمنت.

ولكي تستبدل بالوقود الحفري وقودًا صديقًا للبيئة وجدت Lafrageأنه من الضروري أن تتعاون مع جامعي القمامة بالقاهرة فهم موردو المصدر الذي يصنع منه الوقود المشتق من النفايات.

جامعو القمامة "موردو Ecocem"
ولد عادل راجي لأب يعمل في التنقيب عن القمامة وهو رجل أعمال مصري يعمل في مجال القمامة في منشية ناصر ونشأ مهتما بالعمل في هذه الصناعة وراغبا في معرفة المراحل المختلفة لإعادة التدوير.
قال راجي ل ABR إن كل مرحلة من هذه الصناعة لها طريقتها الخاصة فعندما تجمع القمامة يتم تصنيفها لنفايات بلاستيكية ونفايات عضوية ونفايات نسيجية وألومنيوم ونحاس.

وبعد هذا، تتم عملية استعادة النفايات وإعادة تدويرها بالنسبة للمواد الجاهزة للتغليف ولحصول التجار عليها، ويحتاج كل جامع قمامة إلى أسبوعين من التدريب لكي يفرق بين أنواع القمامة المختلف ولكي يتعلم كيف يفرزها.

صمود جامعي القمامة أمام التحديات
يواجه جامعو القمامة بمنشية ناصر تحديات عديدة تهدد وجودهم، فهم يعملون كقطاع غير رسمي ويعيشون في منطقة عشوائية، كما قررت الحكومة أن تتعاقد مع شركات خاصة لجمع القمامة والتي تشكل منافسًا لجامعي القمامة وتهدد مصدر رزقهم.

وفي عام 2009، أمرت الحكومة بإعدام نحو 350.000 خنزير في منطقة منشية ناصر كجزء من الإجراءات الوقائية لمكافحة أنفلونزا الخنازير مما حرم جامعي القمامة من أحد مصادر دخلهم حيث كانوا يبيعون لحم الخنزير للفنادق والمطاعم، وزعزع القضاء على الخنازير النظام البيئي لمنشية ناصر وكان له أثر سلبي على القاهرة الكبرى حيث تراكمت القمامة العضوية لأن جامعي القمامة فقدوا الحافز لجمعها.

ويواجه جامعو القمامة بمنشية ناصر مخاطر صحية كبيرة ويعد انعدام النظافة والتعامل المباشر مع مخلفات المستشفيات أكبر العوامل التي تنشر الفيروسات الفتاكة مثل الالتهاب الكبدي فيروس سي  HCV )) والذي يصيب الكبد عندما يتعامل جامعو القمامة مع مخلفات المستشفيات الملوثة.

الشراكة بين Ecocem ومنشية ناصر تغرس بذور شراكة موثوق بها 
قبل الشراكة بين Ecocem ومنشية ناصر، لم يدرك جامعو القمامة الفرص التي يتيحها الوقود المشتق من النفايات ولم يدركوا أنه يمكن فرز القمامة المحلية وتصنيعه منها.

عقدت Ecocem مجموعة من اللقاءات مع موردي القمامة بمنشية ناصر لشرح فوائد استخدام بدائل للوقود الحفري، وولدت الشراكة عندما وقع عقد بين Ecocem ومنشية ناصر لبدء مشروع الوقود المشتق من النفايات.
ولضمان العمل في إطار قانوني ساعدت Ecocem المنقبين عن القمامة لكي يقننوا عمليات نقل النفايات المستخدمة في صناعة الوقود من خلال إنشاء شركة Joo وهي شركة أنشأها راجي ويديرها وتقوم هذه الشركة بجمع النفايات وضغطها وإعادة تدويرها ونقلها للتجار في شتى أنحاء مصر.

شراكة تعكس المبادئ الثلاثة الرئيسية ل Lafrage
إن ضمان الاستقرار البيئي وتقديم منتج عالي الجودة بتكلفة أقل وتحسين السلسلة القيمية هي الأهداف الرئيسية التي يؤمن بها أعضاء فريق Lafrage ويلتزمون بها طبقا لميثاقهم الأخلاقي للمهنة، وتدعم الشراكة بين Lafrage وجامعي القمامة  الأعمدة الثلاثة الرئيسية ل Lafrage وهي البيئة والاقتصادوالسلسلة القيمية.

أولاً: البيئة 
إن استخدام الوقود البديل يحقق توازنا للبيئة ويقدم خدمة للمجتمع حيث إنه يحل محل 1.6 طن من المواد الخام (ما يعادل 1.451.5 كجم) و 0.1 طن من الوقود الحفري (ما يعادل 90 كجم) الذين يستخدمون لصنع طن واحد من الأسمنت.

وتقلل النفايات المحلية التي تقدمها منشية ناصر كوقود بديل كمية المواد الخام والوقود الحفري المستخدم في صناعة الأسمنت، فبدلا من أن ترسل  إلى مكبات النفايات أو تلقى في الشوارع أو تحرق تستخدم النفايات كوقود بديل ذي منافع بيئية واقتصادية.

من الممكن أن يؤدي استخدام النفايات كوقود بديل للوقود الحفري في صناعة الأسمنت إلى انخفاض كبير في نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وطبقا لتقرير أصدرته Lafrageعن الآثار البيئية للوقود البديل فإن كل 0.1% من الوقود الحفري تقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 3_2 كجم لكل طن، كما أن الحرارة المرتفعة لأفران الأسمنت والتي تقضي تمام على النفايات تقدم حلا فعالا للتخلص من النفايات.

ثانيًا: الاقتصاد 
إن الوقود البديل أقل سعرًا من الوقود الحفري التقليدي والذي من المتوقع أن يرتفع سعره ارتفاعا كبيرا خلال العشرين سنة القادمة حيث تتزايد احتياجات الطاقة العالمية وتتضاءل مواردها، ولهذا يعطي استخدام الوقود البديل فرصة لفريق عمل Lafrageلكي يزيد مصادر الطاقة لديه بالإضافة إلى تقليل اعتمادهم على الوقود الحفري وتخفيض نفقات الطاقة.

وهناك ميزة اقتصادية أخرى لهذا المشروع وهي انعدام الإنفاق من رأس المال فبدلا من إنشاء شركة جديدة تزودهم بالنفايات تتعامل Lafrage مع أصحاب العمل الذين يعملون بالفعل في مجال فرز القمامة.

ثالثاً: السلسلة القيمية 
وطبقا لراجي فإن جمع النفايات وفرزها وتقديم النفايات المستخدمة في صناعة الوقود إلى Lafrageيستغل طاقات العاملين في فرز القمامة في منشية ناصر كما يخلق فرص عمل جديدة للعاملين بمشروع الوقود المشتق من النفايات.

شركة Joo: منافع على مستويات عديدة 
يعمل موظفو شركة Joo تحت إدارة Ecocem لتحسن جودة النفايات التي تبيعها وتعيد  تدويرها للحفاظ على البيئة، وساعد إنشاء شركة Joo على تأسيس هيئة للأشخاص الذين يعملون على تزويد Ecocem بالنفايات التي تستخدم لصناعة الوقود، ويقوم عمال Joo بفرز النفايات بينما يشرف قادة الفرق على عملية الفرز.

تعد شراكة Ecocem ومنشية ناصر مثالا لشراكة تسعى جاهدة لتحقيق المنفعة على المستوى البيئي والاجتماعي، وطبقا لراجي يقوم نحو 130عامل بإمداد Ecocem بالوقود المشتق من النفايات يوميا مما جعل الوقود البديل مصدرا للدخل لنحو 30 أسرة تسكن في هذه المنطقة الفقيرة.

تتطلع Lafrage شإلى استبدال ب 50%من وقودها وقودا بديلا في 76 مصنع للأسمنت حول  العالم بحلول عام 2020 ولهذا من المتوقع أن تنمو العديد من الشراكات التي لا تزال في قاع الهرم مما يعزز الأعمدة الرئيسية الثلاثة للاستدامة وهي الاقتصاد والبيئة والمجتمع. 

الرابط مصدر المقال

Salma Hammad

Salma Hammad

مترجمين المقال
Heba Allah Ayman Al moraly

Heba Allah Ayman Al moraly

مترجمين المقال