اعرف المزيد عن صراع نيويورك وجامعي القمامة حول "كنز النفايات"

يبدأ الفيديو بصوت موسيقى مشؤومة، وينتقل المشهد لنرى صورة للشريط اللاصق المستخدم في مسرح الجرائم
وبعدها تنتقل الكاميرا صوب رجال منحنين فوق دلاء القمامة ينبشون بعض القوارير ويتفحصونها بدقة، وبالقرب منهم ثمة امرأة تجرُّ عربة تَسوّق مليئة بالقوارير. قد يشعر البعض منا بالتعاطف مع جامعي القمامة، ولكن الفيديو يبيّن بوضوح أن إدارة الصحة العامة في مدينة نيويورك- التي أعدت الفيديو ونشرته على شبكة الإنترنت- قد أرادت من ورائه إظهار أولئك الأشخاص بصورة مغايرة على هيئة مجرمين عاديين.

يتحدث أحدهم في الفيديو قائلًا: "جامعو القمامة يشكلون خطرًا على برنامج إعادة التدوير التابع لإدارة الصحة العامة، فهم يأخذون المواد ذات الأهمية الكبيرة في عمليات إعادة التدوير"، ويضيف بعد ذلك: "لا أحد يودّ أن يبدو في هيئة الشخص الذي يعتدي على الناس الضعفاء، ولكن الأمر تحول من مجرد كونه ظاهرة فردية، ليصبح الآن عبارة عن عصابة منظمة من جامعي القمامة، الذين يعملون معًا بمنهجية للحصول على المواد القّيمة في عملية إعادة التدوير"، ويختتم حديثه بالقول جازمًا: "إعادة التدوير هي الأمر القانوني، أما جمع القمامة فجريمة لا يجب السماح لها بسرقة مستقبل صناعة إعادة التدوير". 

حالما تُلقى النفايات في الحاويات على جانبي الطريق، فإنها تُصبح تلقائيًا مُلكًا للمدينة، فهي الجهة الوحيدة المعنية بالتعامل معها. ومن هذا المنطلق، يُفترض أن تُدرج المواد مثل المعادن، والكرتون، والبلاستيك في الشبكة الواسعة لعملية إعادة التدوير، والتي تتضمن عمليات النقل، والفرز، والضغط وإعادة الصهر.

ولطالما شكلت سرقة هذه المواد أزمةً للمدينة، لتسببها في انخفاض معدل إعادة تدوير نفايات الشوارع أو تحويلها. وقد بلغت الأزمة ذروتها وتراجعت على مر السنوات الماضية، وخصوصًا مع تقلب أسعار المواد الأساسية. 

ما تزال مشكلة جمع النفايات قائمة حتى في ظل ما طرحه عمدة نيويورك، بيل دي بلاسيو، من أهداف طموحة لخفض كمية النفايات،واستراتيجيات جديدة لإعادة التدوير. وقد يبدو بعض الأشخاص غير مهتمين بهوية أولئك الذين يجمعون مخلفات القوارير والأوراق، ففي نهاية المطاف ستخضع جميع المواد التي جُمعت إلى عملية إعادة التدوير. ولكن المسؤولين في إدارة الصحة العامة يشيرون إلى ضرورة تولي جهة واحدة مسؤولية إعادة التدوير، كي تتمكن المدينة من تحقيق أهدافها. 

تُصرح السيدة ايمي سبيتالنيك، المتحدثة باسم العمدة، قائلةً: "سرقة المواد المستخدمة في إعادة التدوير تؤثر على قدرة المدينة في تتبع معدل تحويل مخلفات الطرق. ولكن الأمر الأهم يتمثل في كون هذا الفعل سرقة وتصرفًا غير قانوني. ولذلك، ستواصل المدينة مساعيها للقضاء على سرقة مواد إعادة التدوير، بما أننا نمضي قدمًا في إتباع نظام خاص بإدارة النفايات يكون أكثر استدامة ومراعاة للبيئة".

تعتبر نفايات المدينة بمثابة كنز لعدد كبير من جامعي القمامة، الذي يحصلون على أموال لقاء بيع الخردة المعدنية مثل مكيف هواء صدئ، أو يستبدلون بضع سنتات بالقوارير الفارغة التي يرميها شخص ما بعد إحدى الحفلات. وفي كثير من الحالات، لا يجد عمال النظافة عند وصولهم إلى أكوام القمامة سوى نفايات بكل ما للكلمة من معنى، مما يقف حائلًا أمام قدرة الشركات المرتبطة بعقود لإعادة تدوير مخلفات المدينة على كسب مستحقاتها. 

ولعل الأمر الأهم الذي يستحوذ على اهتمام المدينة هو ما تشكله عمليات جمع المخلفات القابلة للتدوير من عائق أمام تتبع مسار تقدمها في هذا المجال.

فالمدينة تحرص على حساب ما يعرف بمعدل التحويل، عبر تقسيم كمية المواد القابلة للتدوير التي يلتقطها عمال إدارة الصحة العامة، على الكمية الإجمالية للقمامة التي يجري نقلها. ولا تتضمن جداول الحساب بيانات شركات القمامة الخاصة، التي تتبع مؤسسات تجارية. 

يبلغ المعدل الحالي لتحويل النفايات في المدينة 16%، وهو أقل من المعدل الوطني البالغ 34،4% وفقًا لبيانات وكالة حماية البيئة الفيدرالية. وهو أيضًا أقل من المعدل الموجود في المدن التي لاقت نجاحًا أكبر في هذا المجال، مثل سان فرانسيسكو التي بلغ معدل التحويل فيها 80% (يجادل بعض المنتقدين أن المجالس البلدية تصنف بياناتها بطريقة مختلفة، وبالتالي فإن قيمة عمليات المقارنة تكون محدودة).

في شهر أبريل سنة 2015، أعلن السيد دي بلاسيو، وهو عضو في الحزب الديمقراطي، عن خططه للتخلص من جميع النفايات التي تُنقل إلى مقالب النفايات بحلول عام 2030. وعلى نحول منفصل، يفرض القانون البلدي على المدينة أن ترفع معدل التحويل ليبلغ 25% بحلول عام 2020. 

"في ضوء الأهداف الجريئة التي وضعتها المدينة نصب عينيها، لا بدّ إذن من جمع كل مخلفات النفايات دون استثناء"، هذا ما قاله أنتونيو رينوسو، عضو مجلس إدارة نيويورك، والعضو في الحزب الديمقراطي من بروكلين، الذي يرأس لجنة الصحة العامة وإدارة النفايات الصلبة في مجلس المدينة. 

ويضيف رينوسو قائلًا: "نحن لا نودّ أن نلقي بأعباء عملية التخلص النهائي من النفايات على كاهل جامعي القوارير البسطاء". 

يشير السيد رينوسو إلى أن قيام جامعي القمامة بسرقة المواد القابلة لإعادة التدوير يُصعب من مهمة مجلس المدينة في تحديد مدى نجاح السكان في عملية إعادة التدوير. ويردف قائلًا: "ثمة أشخاص في الشوارع يساهمون معنا في تحقيق الأهداف المنشودة في مجال إعادة التدوير، والتي قد تجعلنا جميعًا في موضع فخر. ولكن نظامنا عاجز عن تتبع مساهمات أولئك الأفراد". 

ينوه السيد فيتو تورسو، المتحدث باسم إدارة الصحة العامة، إلى أن ما يقوله البعض عن خضوع المواد التي يسرقها جامعو القمامة إلى عمليات إعادة التدوير، يعبر عن فهم ناقص لصلب الموضوع. ويكمل حديثه بالقول: "لقد حدد مجلس المدينة أهدافه، والطريقة الوحيدة التي نعرفها لتحقيق هذه الأهداف تكمن في امتلاكنا سيطرة كاملة على عمليات جمع النفايات. 

وطبعًا سيكون من اليسير علينا أن نقول الآتي: حسنًا، لابد أن النفايات قد خضعت لإعادة التدوير بما أنها ليست موجودة في الطرق، ولكن هذا الأمر غير قابل للحساب"، ويختتم تورسو حديثه بالقول: "نرغب في أن نكون أضخم مركز مدني يبذل أقصى جهده لإعادة تدوير أكبر كمية ممكنة من النفايات، والوسيلة الوحيدة لفعل ذلك تكمن في امتلاكنا القدرة على حساب كل شيء نقوم به". 

كان إعلان الخدمة العامة- الذي صدر عام 2012 خلال إدارة العمدة السابق مايكل. ر. بلومبرغ، المستقل في انتمائه السياسي- متاحًا على موقع يوتيوب، ولكنه لم يُنشر في أي مكان آخر وفقًا لكلام رينوسو. ولكن بعدما وجّهت صحيفة نيويورك تايمز سؤالًا حول الفيديو إلى إدارة الصحة العامة، تغيرت خصوصيته فلم يعد العامة قادرين على رؤيته. 

في سياق متصل، ثمة جهود شعبية لإحباط عمليات السرقة، من ضمنها إنشاء صفحة على موقع الفيسبوك، مخصصة لنشر صور سارقي مواد إعادة التدوير، إذ تنشر الصفحة صورًا جديدًا بمعدل يومي تقريبًا. ويعلق ديفيد بيدرمان، المدير التنفيذي والرئيس التنفيذي لجمعية النفايات الصلبة في أمريكا الشمالية قائلًا إنه عندما ارتفعت أسعار الورق المقوى قبل عدة سنوات، تلقى هاتفه المحمول عدة رسائل من سائقي عربات القمامة في نيويورك، اشتكوا فيها من عدم عثورهم على أي ورقة في أماكن التقاط النفايات.

على الضفة الأخرى، تنام تشيريز باشال البالغ عمرها 41 عامًا في شوارع حي سوهو في مانهاتن، وهي تعتمد في حياتها غالبًا على المال الذي تجنيه مقابل بيع القوارير الفارغة التي تنبشها من القمامة. 

تؤكد باشال أنه يجب على مجلس المدينة احتضان جهود جامعي القمامة، وتكمل كلامها قائلة: "لماذا تشتكون منّا، ونحن نجمع النفايات من أجلكم؟ ما هي مشكلتكم؟ نحن لا نُشكل تهديدًا، فالأمر الوحيد الذي يحدث حقًا هو أنكم لا تحصلون على أموال نتيجة لذلك". 

كان مجلس المدينة مترددًا حيال التخلص من ظاهرة الأفراد الذين يجمعون المواد القابلة لإعادة التدوير، وفي مقدمتها القوارير والعلب، بهدف البقاء على قيد الحياة. ولكنه عوضًا عن ذلك استهدف بعض العمليات المنظمة، التي تُشغل مجموعة واسعة من جامعي القمامة لنقل كميات كبيرة منها. وقد أصدر مجلس المدينة سنة 2008 قانونًا سمح بموجبه للأفراد أن يجمعوا القوارير والعلب، مع وضع بعض القيود أهمها منع استخدام عربات النقل. 

ولكن هذا الشرط قد جرى تجاهله مرارًا وتكرارًا بعد ظهر أحد الأيام خارج مركز Thrifty Redemption Center الواقع في حي بورو بارك في بروكلين، والذي يعد واحدًا من أكبر مراكز استرداد القوارير في المدينة. فهناك كانت ماري سيلستين البالغ عمرها 28 عامًا، تساعد في إنزال القوارير، التي التقطتها والدتها من القمامة، من المقعد الخلفي لسيارتها. وقد أصيب بصدمة كبيرة عندما أبلغناها بأن أساليبها ممنوعة. 

تعمل الآنسة سيلستين مساعدة ممرضة، وهي تؤكد أن المال الإضافي التي تحصل عليه من بيع القوارير ضروري لعائلتها. 

تقول سيلستين: "ما الذي يدفعهم إلى محاولة منعنا من العمل في مثل هذه الأمور؟ فالمرء عندما يمتلك 40 دولارًا، يستطيع الذهاب إلى السوق، وأخذ ملابسه إلى أماكن التنظيف، وتعبئة سيارته بالغاز. لماذا يريدون أن ينتزعوا لقمة عيشنا؟".



ترجمة: سمر عادولة

الرابط مصدر المقال

Rana Ali Khalil Hassan

Rana Ali Khalil Hassan

مترجمين المقال