هل تعلم أن سان فرانسيسكو أصبحت عاصمة صناعة "إعادة التدوير"؟

نرى روبرت ريد، الذي يستمتع بمهنته الجديدة بصفته دليلًا سياحيًا مشغولًا في أحدث الأماكن شهرةً في سان فرانسيسكو، وهو يقف مبتسمًا في صبيحة يوم مشمس، أمام وفد مكون من 10 شخصيات أجنبية بارزة، فضلًا عن بعض الصحفيين 
بقلم: جوش هان/ نيويورك تايمز

كان من ضمن الوفد عمدة مدينة جنوى في إيطاليا، وقناصل كل من إيطاليا، وكندا، وسويسرا.

ارتدى كل شخص من الزوّار معطفًا رياضيًا وربطة عنق، فضلًا عن سترة السلامة الصفراء تحسبًا كي لا تدهسهم شاحنات القمامة.

قال السيد ريد مبتسمًا في مقدمة حديثه: "من اللطيف دائمًا اللقاء بأصدقاء جدد من مختلف أرجاء العالم"، وأردف قائلًا: "في الواقع، لقد استقبلنا زوارًا قادمين من أكثر من 58 بلدًا". خلف ريد كان ثمة كتلة ضخمة مكونة من 630 طنًا من النفايات، قامت بنقرها نوارس البحر. أكمل ريد حديثه قائلًا: "هيا بنا، سأريكم الآن القوارير والعلب والأوراق".

ربما لا يحتوي دليل السفر السياحي على ذكرلمرفأ Pier 96 في مدينة سان فرانسيسكو، ولكنه أضحى وجهة يحرص جميع الزوار القادمين من أفغانستان وحتى فيتنام على التوجه إليها. 

فقد قدموا جميعًا لاستكشاف مصنع شركة ريكولوجي Recology التي يتحدث باسمها السيد ريد، وهو واحد من أكثر مصانع إعادة التدوير تطورًا في العالم؛ إذ يحتوي على نظام معقد للغاية من آلات السير المتحرك ومعدات الفرز، التي تعمل في صمت وهدوء بمساعدة العمال على التخلص من كتلة النفايات البالغ ارتفاعها 30 قدمًا، والتي جمعتها شاحنات القمامة من مختلف أنحاء المدينة.

يُبدي السيد ماورو باتوتشي Mauro Battocchi، القنصل العام الإيطالي في أمريكا، إعجابه الشديد بما رآه هنا، فيعلق قائلًا: "الأمر أشبه بمجسمات الفن الحديث. إنه رائع حقًا! فالبشر والآلات والأشياء التي نستخدمها في حياتنا نراها جميعًا تعمل سويًا". 

قدِم المسؤولون الأجانب وغيرهم من الشخصيات إلى هنا لتلقي نصائح حول كيفية التعامل مع أكوام النفايات التي تنتشر بسرعة في بلدانهم. ونتيجة للنمو السكاني في العالم، يستهلك الناس كميات إضافية من المنتجات، فيُفضي ذلك إلى ازدياد حجم النفايات، وبالتالي تسعى البلدان للعثور على وسائل للتعامل معها، وتخفيف أثرها السلبي على البيئة. 

ينتمي الكثير من أولئك الشخصيات إلى حركة نامية يطلق عليها أحيانًا حركة لانفايات، أو اقتصاد الدورة الكاملة Circular Economy، والذي يستلزم استبعاد النفايات العصية على عمليات إعادة التدوير مثل الأكياس البلاستيكية الرقيقة، بالإضافة أيضًا إلى ابتكار طرق جديدة لإعادة تدوير جميع المخلفات أو تحويلها إلى سماد.

واضطلعت عدة مدن حول العالم بدور ريادي في هذه العملية، أهمها بورتلاند في ولاية أوريغون، وسياتل، وميلان، فضلًا عن إقليم الباسك في إسبانيا. وقد أدى ذلك إلى نشوء ما يعرف بالجولات السياحية في أماكن النفايات.

"منشآت إعادة التدوير لا تحتاج إلى أي عملية تسويق"، هذا ما تؤكده جيسيكا موريسون Jessica Morrison، محللة السياسيات البيئية في مقاطعة وادي فريزر المحلية في كولومبيا البريطانية، والتي ساهمت في تنظيم جولة سياحية لاثني عشر مسؤولًا توجهوا لزيارة منشأة إعادة التدوير في مدينة مونتغمري بولاية ألاباما.

وتضيف موريسون: "ما يقوم به أمثالنا هو تذليل العوائق أمام الوفود". 

ما يزال الاهتمام بهذه المسألة موجودًا رغم الضغوط التي تتعرض لها الأنظمة الاقتصادية المعتمدة على إعادة التدوير نتيجةً لهبوط أسعار النفط. فقد أدى ذلك إلى خفض تكلفة السلع الجديدة مثل البلاستيك، مما انعكس بدوره على أسعار المواد المعاد تدويرها التي خضعت للفرز والبيع على يد شركات مثل ريكولوجي.

على نطاق أوسع، يؤكد مشككون أن تكاليف الطاقة والموارد الأخرى اللازمة لإعادة تدوير بعض المواد لا تستحق عناء الاستثمار. ولكن زوار شركة ريكولوجي يميلون إلى اعتناق رأي معاكس، فهم يعتقدون أن عملية حرق النفايات ودفنها يترتب عنها نتائج وخيمة وطويلة الأمد على البيئة.

تحصل ريكولوجي، وهي شركة خاصة، على معظم ميزانيتها التشغيلية من الرسوم الشهرية البالغة 35.18 دولار، التي تفرضها على كل منزل مقابل نقل القمامة، وإعادة تدويرها وتحويلها إلى سماد.

ويقول السيد ريد إن العملية المتبعة في ريكولوجي فعالة من ناحية التكلفة، على الأقل وفقًا لمقياس واحد؛ فسكان سان فرانسيسكو يدفعون ذات التكلفة أو أقل مما يدفعه القاطنون في المدن الكبيرة الأخرى الواقعة على منطقة الخليج مقابلنقل النفايات من الطرق، ولكن عملية إعادة تدويرها أو تحويلها إلى سماد تحدث بنسبة أكبر مما هو الحال عليه في تلك المدن. 

يرجع هذا الأمر جزئيًا إلى نجاح المصنع في سان فرانسيسكو في نيل مكانة مشابهة تقريبًا لحالة المشاهير، وخصوصًا مع التقارير الكثيرة التي أُعدت حوله، وفي مقدمتها ذاك المقال الذي حظي بانتشار كبير عند نشره في صحيفة لوموند الفرنسية.وقد كان المصنع أيضًا مقصدًا لنحو 50 طاقم أفلام، يعمل معظمهم لصالح قنوات تلفزيونية، بالإضافة إلى ظهوره في فلمين كبيرين: أولهما وثائقي بعنوان "Trashed" من بطولة الممثل البريطاني جيريمي إيرونز، وثانيهما وثائقي فرنسي جديد بعنوان "Demain"، يناقش بعض الحلول للمشاكل العالمية. 

وهكذا تحولت سان فرانسيسكو إلى نموذج يُحتذى به في مجال إعادة التدوير بالنسبة للمدن الأخرى، ومن ضمنها باريس. فقد أجرى نائب عمدتها، ماو بينوو، زيارة إلى المكان في شهر أكتوبر، قال فيها إن عملية تحويل النفايات إلى سماد في شركة ريكولوجي تؤكد صحة المساعي الباريسية الجديدة التي تسير على ذات المنوال. 

ما تزال شركة ريكولوجي تستقطب الزوار بالرغم من عدم امتلاكها "أفضل الوسائل التقنية في هذا المجال"، على حد قول جاك ماسي، منسق حركة "لا نفايات" في سان فرانسيسكو. ويقرّ ماسي بأن أماكن أخرى قد حققت تقدمًا بالاعتماد على تقنيات حديثة، وينوه أيضًا إلى أن سان فرانسيسكو قد استلهمت الفكرة من ألمانيا، التي اعتمدت على إعادة التدوير وباشرت في تحويل النفايات إلى سماد في عقد الثمانينيات من القرن الماضي.

في الوقت الحالي، نجحت مدينة سان فرانسيسكو في التخلص من نحو 80% من النفايات الموجودة في المقالب وحولتها إلى سماد، مما يضعها في مصاف نخبة المدن في مجال إعادة التدوير (تعتزم شركة ريكولوجي إنفاق 11 مليون دولار خلال السنة المقبلة لتحديث مصنعها، كي تتمكن من التعامل مع كميات أكبر من علب التغليف الآتية من عمليات الشراء عبر الإنترنت).

حظيت مدينة سان فرانسيسكو بمكانة عالمية مرموقة نظير إنجازاتها في مجال تحويل النفايات، وفي مقدمتها مخلفات الأطعمة، إلى مواد ناعمة شبيهة بحُبيبات القهوة، يجري إرسالها إلى المزارع كي يستخدمها الفلاحون بصفتها سمادًا عضويًا.

تبدأ الجولة في مصنع ريكولوجي من منطقة Pier 96، وهي عبارة عن ميناء صناعي يقع في الجهة الجنوبية من المدينة، وهناك ننطلق داخل أبواب مستودع غائر شبيه بالكهف تبلغ مساحته 200 ألف قدم مربع. تكمن الخطوة الأولى في فصل جميع النفايات القابلة للتدوير، فتعمل الجرارات على نقل أكوام النفايات ووضعها على 5 سيور متحركة.

وتنتقل النفايات بعد ذلك للبدء بالمستوى الأول من عملية الفرز، فيُشرف بعض العمال الذين يرتدون أقنعة وقفازات ومآزر على إخراج القطع الكبيرة من الورق المقوى ورميها في منحدر مائل وزلق كي تخضع للرزم.

على بعد بضعة أقدام، تتحرك بقية النفايات بوتيرة أعلى عبر سلم متحرك سريع ينقل الأوراق الخفيفة نحو الأعلى، في حين تتساقط القوارير والعلب نحو الأسفل، وهناك يجري فصلها عن بعضها. وعلى مسافة أبعد، نرى آلة فرز ضوئية تستخدم شعاعًا ضوئيًا لفصل القوارير البلاستيكية الشفافة عن تلك الملونة، ومن ثم إزاحتها عن السير المتحرك بوساطة توجيه الهواء إليها.

يقول السيد ريد خلال الجولة الأخيرة: "إنه شبيه بالمصنع في فلم ويلي ونكا، فهو يُمثل كل ما يمكن للمرء تخيله حين يفكر بمصنع إعادة التدوير.
 ويبدو أن المراسل المستقل الذي كان يعمل سابقًا لدى صحيفة The San Francisco Chronicle يحب التكلم كثيرًا عن موضوع إعادة التدوير وتحويل النفايات إلى سماد، إلى درجة أنه يعتبره ممتعًا بنفس القدر "حين تطلب منه امرأة السماح لها بتدليك ظهره" على حد قوله.

يطيب للسيد ريد إيضاح أن ريكولوجي عبارة عن شركة خاصة مملوكة لموظفيها، فقد ساهمت منذ تأسيسها في توفير 210 فرصة عمل لأشخاص ينحدرون من منطقة Bayview-Hunters Point، مكان وجود المصنع، وأكثر الأحياء فقرًا في المدينة.

"إنها أشبه بوادي السيليكون الخاص بمجال إعادة التدوير"، هذا التشبيه أطلقه السيد كريستيان فورذوم، الرئيس التنفيذي لشركة RealChange الاستشارية ومقرها Bay Area، والتي تعمل على استقطاب المدراء التنفيذيين والمسؤولين الأجانب،وتشجيعهم لزيارة منطقة وادي السليكيون في سان فرانسيسكو. وقد تضمنت نشاطاتها خلال السنوات الستة الأخيرة تنظيم زيارات لأربعة وفود إلى شركة ريكولوجي. 

كان أحد أعضاء الوفد الزائر هو السيد برونو هوج دي لاروز، رئيس غرفة التجارة في مقاطعة بريتاني في فرنسا، والذي يُشبّه ريكولوجي في مجال النفايات إلى شركتي أوبر وإير. ب. إن. ب، وذلك من ناحية قدرتها على إظهار كيف تساهم التقنية ورأس المال في تغيير العالم. بالإضافة طبعًا إلى ما يثيره المصنع من إعجاب في نفوس زواره على حد قول السيد دي لاروز. 

وصف دي لاروز زيارته الأولى إلى المكان (زاره مرتين) بقوله: "كان وقعها في النفس مثيرًا للإعجاب، لقد كانت مدهشة!"، ثم أكمل ضاحكًا: "ولأكون صريحًا كانت زيارة معبقة بالروائح!".

بعد الجولة مع عمدة جنوى وقناصل الدول، دعا ريد ضيوفه إلى تناول طعام الغداء المكون من السلطة والجبنة الإيطالية والفرنسية. وعندما جلسوا على مائدة الطعام، اقترح ريد وجهة أخرى يمكن للوفد الذهاب إليها، وقال موجهًا كلامه للجميع: "كم أتمنى أن تُتاح لكم الفرصة لزيارة المنشأة الخاصة بتحويل النفايات إلى أسمدة عضوية، ولكننا ربما قد لا نود الخوض في هذا الأمر ونحن في حضرة الطعام!".



ترجمة: سومر عادلة

الرابط مصدر المقال

Rana Ali Khalil Hassan

Rana Ali Khalil Hassan

مترجمين المقال