تحول حلم الورق معاد الطباعة إلى حقيقة

 منذ اختراع الورق في الصين في العام 100 قبل الميلاد تقريباً، وهو يعد وسيلة لنشر المعلومات مما ساهم في التطور ونشر الحضارة. حتى في عصرنا هذا -عصر المعلومات- مع انتشار الوسائل الإلكترونية بنطاق واسع في المنازل والمكاتب حتى في جيوبنا الشخصية!، مازال الورق محتفظ بدوره وفعاليته. بشكل عام تتعامل أدمغتنا بشكل مختلف مع المعلومات المُقدمة على ورق عن المقدمة على شاشة. حيث إنَّ المعلومات المقدّمة على ورق تثير تفاعل عاطفي فيستجيب المخ بشكل أفضل مرتبط بالمشاعر الداخلية مما يجعل تلك المعلومات من الصعب نسيانها وتُطبع في الذاكرة بشكل أفضل عن نظيرتها المقدمة على شاشات إلكترونية. بالطبع مازال الورق يُستخدم بشكل واسع ومن المتوقع زيادة الاستهلاك العالمي في الفترات القادمة، ولكن يتبع هذا الاستهلاك تأثيرات ومشكلات بيئية مُلفتة. وكمحاولة من العلماء للتغلُب على هذِه التأثيرات، قاموا بعدة أبحاث على مدار سنوات عن وسائل للقراءة لها نفس الشكل كالورق التقليدي، ولكن من الممكن إعادة طباعتها والكتابة عليها بدون الحاجة إلى إعادة تدويرها صناعياً. وعليه فهناك فكرة واعدة حول تغطية الورق بطبقة رقيقة من المواد الكيميائية التي يتغير لونها عند التعرُّض لضوء الشمس، ولكنَّ المحاولات السابقة تعرضت لعوائق مثل التكلفة العالية وانبعاث كمية كبيرة من المواد السامة، بعيداً عن عدم فاعلية الورق للاستخدام مرة أُخرى. وقد توصلت مجموعتي المُختصة بالأبحاث فى جامعة كاليفورنيا، Riverside بالتعاون مع Wenshou Wang بجامعة Shandong بالصين إلى اكتشاف مواد كيميائية جديدة يُغطى بها الورق، ويُعاد طباعتهُ مرة أخرى بواسطة الضوء، دون الحاجة إلى حبر، ومن الممكن مسح الورق وإعادة إستخدامه أكثر من 80 مرة. تلك المواد عبارة عن دمج مادتين سوياً ذُو حجم صغير جداً، تُقدّر بالنانومتر، بحيث تكون أقل سمكاً من قطعة الورق بحوالى 100.100 مرة، واحدة من تلك المواد تمتص الطاقة من الضوء وتُحفر تغيُر لون المادة الأخرى. وتُعد هذه التجربة خطوة كبيرة مهمة نحو الوصول إلى ورق يُعاد طباعته دون أى تغيُرات بيئية غير مرغوب فيها. التأثيرات البيئية للورق:35% تقريباً من مُحصلة الأشجار المحصودة عالمياً تُستهلك في صناعة الورق والورق المقوَّى، وتأتي صناعة الورق ولُب الورق فى المرتبة الخامسة في أكثر الصناعات استهلاكاً للطاقة، حيث تستهلك قدر أكبر من المياه مقارنةَّ بالصناعات الأُخرى لإنتاج طن واحد. أيضاً عملية استخلاص لُب الورق تستهلك قدر كبير من الطاقة ومواد كيميائية خطيرة كالديوكسين dioxin، كما أن صناعة الورق ينتج عنها انبعاث مادة الفوسفور المُغذي، والذي بدوره يُحفز نُمو النباتات مما يستنفذ كل الأكسجين الموجود في المياه ويُهلك حياة الحيوانات المعتمدة على تلك المياه. واستخدام الورق بعد ذلك أيضاً يضر البيئة؛ حيث إنَّ نقل الورق بالشاحنات من مكان تصنيعه إلى أماكن استخدامه يتسبَّب فى تلوُّث الهواء، كما أنَّ الحبر المُستخدم ينتج عنه تلوث المياه والتربة بالمواد السامة مما يهلك حياة الحيوانات المُعتمدة عليها، بينما طريقتنا تستهلك مواد غير سامة وتُساعد على إعادة استهلاك الورق مرة أخرى مما يقلل من التأثيرات الضارۃ على البيئة.  تغيُر الألوان:في البحث عن المواد المُستخدمة في تحويل الورق يجب أن تكون المادة شفافة لكن يُمكن تغير لونها إلى شيء مرئي، والعكس، وبذلك فإن أى نصوص أو صور يُمكن قرائتها كما لوعلى الورق التقليدى وأيضاً يُمكن مسحها بسهولة. فطريقتنا تدمج بين مواد صغيرة الحجم تقدر بالنانومتر، من 1 إلى 100 نانومتر تقريباً، حيث نستخدم مادتين مختلفتين من الممكن تغير لونهما من الشفاف للمرئي والعكس. المادة الأولى هى prussian blue  (بروشيان بلو)، صبغة زرقاء تُستخدم بنطاق واسع تماماً كاللون الأزرق المُستخدم فى الطباعات الزرقاء على المعمارات، لكن هذا اللون الأزرق من الممكن أن يتحوَّل إلى لون شفاف عندما تكتسب الصبغة إلكترونات زائدة. المادة الأخرى عبارة عن titanium dioxide (تيتانيوم ديوكسيد) عندما تتعرض للأشعة فوق البنفسجية ينبعث منها الإلكترونات التي تحتاجها الـPrussian blue ليتغير لونها إلى اللون الشفاف. وبعد دمج المادتين معًا وتحويلهم إلى مادة صلبة لعمل طبقة على الورق التقليدي، والتي من الممكن أيضاً تطبيقها على أى مادة صلبة كشرائح البلاستيك والزجاج، نُعرض الورق إلى الأشعه فوق البنفسجية حيث ينبعث من التيتانيوم ديوكسد الإلكترونات التي تلتقطها مادة ال Prussian blue ليتحوَّل لونها من الأزرق إلى الشفاف. تتم الطباعة باستخدام عازل (ماسك) عبارة عن مادة بلاستيكية شفافة عليها حروف وأشكال مطبوعة، توضع على الورقة ذات اللون الأزرق في الأصل، وعندما تمر الأشعة فوق البنفسجية بالأجزاء الفارغة غيرالمطبوعة على العازل، فإن الأجزاء المقابلة لها على الورقة من تحتها تتحوَّل إلى اللون الأبيض الشفاف، وتُطبَع المعلومات من العازل للورقة من تحته، عملية الطباعة هذِه سريعة جدا تأخذ حوالي ثواني من الوقت، بوضوح عالي حيثُ من الممكن طباعة أشكال صغيرة الحجم جداً تصل إلى 10 ميكرومتر، أي 10 مرات أصغر مما يمكن أن تراه العين المجردة، بجانب أن الورق يبقى قابل للقراءة لمدة تصل إلى أكثرمن 5 أيام ثم بعد ذلك تَقل قابليتها للقراءة تدريجياً، حيث إنَّ الأكسجين فى الهواء يسحب إلكترونات من الـPrussian blue ويحولها إلى اللون الأزرق مرة أخرى. يُمكن الطباعة بوسيلة أخرى ألا وهي حزم الليزر، حيث تمر أشعة الليزرعلى سطح الورقة وتُحدِّد الأجزاء المُفترض أن يكون لونها أبيض شفاف، بطريقة مشابهة  للطابعات المستخدمة لليزر في الوقت الحالي. بالنسبة لعملية المسح فهي عملية تتم بسهولة، حيث تُسخن الورقة بالطبقة التى تغطيها إلى حوالى 120 درجة سيليزية (250 درجة فهرنهايت) مما يعجل من عملية الأكسدة أي فقد الإلكترونات فيتحول المحتوى المطبوع إلى اللون الشفاف ويُمسح تمامًا في خلال 10 دقايق تقريبا، درجة الحرارة تلك أقل بكثير من درجة الحرارة التي يشتعل عندها الورق بالتالى فلا يوجد تخوُّف من أي حريق، كما أنها أقل من درجة الحرارة التى تحتاجها طباعات الليزر الحالية (تحتاج إلى ما يقرب من 200 درجة سيليزية أى 392 درجة فهرنايت) حتى تدمج الحبر مع الورق.  تطوُّر المواد الكيميائية من حيثُ الثبات:استخدام مادة ال Prussian blue كجزء من عملية إعادة الطباعة يضمن وجود العديد من المميزات، فأولاً، هي مادۃ ثابتة كيميائياً، ففي المحاولات السابقة لإعادة طباعة الورق كانت تستخدم مواد عضوية لتحويل اللون، مما يجعلها تتحلل بسهولة بعد تعرضها للأشعة فوق البنفسجية أثناء الطباعة، وعليه فإنها لا تساعد على إجراء عملية الطباعة والمسح بشكل كافي. على النقيض، فإن ال Prussian blue تظل ثابتة كيميائياً حتى بعد التعرُّض للأشعة لفترة طويلة. حيث في معملنا، تمكنا من الكتابة والمسح على ورقة واحدة أكثر من حوالى 80 مرة دون ملاحظة أي تغير في شدة ووضوح اللون أو سرعة التحوُّل فى الألوان. أيضًا الـPrussian blue ممكن تحويرها للحصول على ألوان مختلفة، فاللون الأزرق ليس هو الاختيارالوحيد المتاح، فلدينا القدرة على تعديل التركيب الكيميائى للصبغة كاستبدال بعض من جزيئات الحديد بالنحاس لإنتاج لون أخضر، أواستبدال الحديد تماما بمادة الكوبلت للحصول على اللون البني. في الوقت الحالي بالإمكان طباعة لون واحد فقط فى كل مرة. مع العمل على تطور تلك التكنولوجيا أبعد من ذلك، نأمل أن نجعل الورق معاد الطباعة متاح لاستخدامه كمادة لنشر المعلومات بالعديد من الطرق، كالمجلات والصحف والإعلانات، أو استخدامه في الصناعة، الرعاية الصحية، أو حتى الأشياء البسيطة كالملصقات القابلة لإعادة الطباعة. من المحتمل ألاَّ نقدرعلى الوصول إلى مجتمع خالي من الورق تماماً، لكننا نعمل على جعل الناس تستهلك ورق أقل بكثيرمما يستهلك الآن، وتسهيل عملية إعادة استخدامه عندما يكونوا على استعداد لذلك.

الرابط مصدر المقال

Eman Adly

Eman Adly

مترجمين المقال