الكشف عن حقيقة النفايات الألكترونية: ما مصير الأجهزة الألكترونية بعد استخدامها؟

  حقيقةً غَمرتني السَعَادةُ عِندَما اكتَشَفْتُ أن هنالك في بلدتي مخزنُ مُخَصَّص لإعادة تَدويرِ الأجهزة الألكترونية. واحسستُ برضا يخالطه زَهْو بالنفس في اللحظة التي تخلصتُ فيها من جهازِ حاسب ألي عتيق وجهاز مُسَجِّل كاسيت و فيديو لم أكن قد استعملته منذ ما يقرُب من عقدِ من الزَمَانِ.  أتذكر أنني خرجت من المخزن ولم اُعِد التفكير ولو للحظة فيما فعلته للتو, لم أكن لأعيد التفكير في ذَلِكَ أبَدًا.

  ولكن مُنذُ اُسْبُوعان بَدَأتُ فَجْأة أتَسَاءل : ما الذي يَحْدُثْ لهَذِه الأجْهِزَة الألكترونية التي تخلصتُ منها في هذا المخزنِ حينما كنت في حالة من السعادة المتناهية؟ أين تذهب هذه النفايات الألكترونية؟ كيف يُعالِجونها؟ مَن الذي يُعالِجها ؟ وفيم تُستخدَم المواد التي يُعاد تدويرها ؟ بدأت مرحلة الاستكشاف وتقصّي الحقائق كما لو كنت  النسخة الأكبر سنًا من الشخصيةِ الخياليةِ نانسي درو. والاجوبة التي حَصلتُ عليها تسببت في تغيير رؤيتي لعملية إعادة التدوير للأبد.

الكشف عن حقيقة النفايات الألكترونية
 فلنبدأ بالحديث في البداية عن شغفنا اللامتناهي بالتكنولوجيا الحديثة. إن الهواتف الذكية "تلك الأجهزة المنتشرة في كل مكان والملتصقة بأيدينا طوال الوقت" هي أبرز مثال على ذلك الشغف. إن 51% من مستخدمي جهاز أيفون iPhone يستبدلون مكونات الجهاز بهدف تحديث إمكاناته كل عامان وكذلك يفعل 40% من مستخدمي جهاز الأندرويدAndroid  وذلك وفقًا لمقال نشرته مجلة فوربس Forbes . ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد حيثُ إن 47% فقط من مستخدمي الأيفون iPhone و40% فقط من أقرانهم المحبين لجهاز الأندرويدandroid  هم  فقط من عبّروا عن استعدادهم للانتظار حتى يصبح جهازهم غير قابل للاستخدام قبل استبداله.

   ذلك يعني أننا لسنا فقط نُهدر أموالنا كل 24 شهرًا لشراء هواتف ذكية جديدة ولكن بالإضافة إلى ذلك فإن الهواتف القديمة التي تظل قابعة في الأدراج أو تتوجه إلى مخازن إعادة تدوير الأجهزة الألكترونية تكون قابلة للاستخدام بشكل مثالي ولكننا نتخلص منها لِأنها لم تعد الأحدث اوالأفضل.
  ولا يحدث ذلك فيما يتعلق بهواتفنا صغيرة الحجم فقط فوفقًا لإحدى التقديرات المتعلقة بصناعة الألكترونيات, يَستبدِل المستهلكُ الأمريكي جهازَ التلفزيون كبير الحجم تقريبًا كل أربع او خَمس سنين وهي مدة تشابه دورة الاستبدال المُكونة من سنتين التي تحدث للهواتف المحمولة وذلك لِأن التكنولوجيا الخاصة بالشاشات عالية الدقة HD في تقدم مستمر وأسعارها في إنخفاض مستمر.
 
   هناك الهواتف وأجهزة التلفاز وألعاب الفيديو وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بالمنزل وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والطابعات و أجهزة المسح الضوئي و الكاميرات. فالتكنولوجيا تحيط بنا من كل حدب وصوب بداية من الأجهزة اللامعة حتى جهاز الميكرويف البسيط والبعض يُقدّر أن أقل من  02% فقط من الأجهزة الألكترونية هي ما يُعاد تدويرها. عندما نستبدل هذه الأجهزة  بشكل زائد فإنها تصبح كالأشياء ذات الاستعمال الواحد. و تُصنّع هذه الأجهزة بحيث تكون ذات عمر قصير اي أنها تصبح قديمة بشكل مُخطط له او مخلوق عمدًا, فيصبح الأمر مجرد وقت حتى ينتهي بها المطاف في مخازن إعادة التدوير او في مكان اسوء وهو مقالب القمامة. حتى الآن يدور حديثنا حول  الأجهزة التي ينتهي بها المطاف بالفعل في هذه الأماكن, اما بالنسبة للباقي فإن أكثر من 75% من النفايات الألكترونية تقبع في الدواليب و الغرف العليا للبيوت في انتظار أن يتخلص منها أصحاب البيوت وذلك وفقًا لتقديرات وكالة حماية البيئة الأمريكية.

إعادة تدوير النفايات الألكترونية
 حتى الآن لم نختلف, اليس كذلك؟ فإن موضوعنا ببساطة هو حكاية سعيدة عن نفايات يُعاد استخدامُها وتدويرها. والآن ستصبح الأمور اكثر غموضًا وضبابية. لو كنتُ أعرف  هذه المعلومة منذ عدة سنين لما كنت قد ابتسمت وبداخلي شعور بالزهو بنفسي في الموقف السابق ذكره.
دعونا نفترض أننا نتحدث عن شخص قد قرر بالفعل أن يتخلص من أجهزته الألكترونية بشكل مسئول كما نفعل جميعا, أليس ذلك صحيحًا؟ أين على وجه الارض يذهب هذا الشخص بالأجهزة ؟ في وقت كتابة هذا المقال, أصدرت 27 ولاية قوانين متعلقة بالنفايات الألكترونية تقتضي بأن تُنقل هذه الأجهزة من مقالب القمامة ومحارق القمامة ليتم التخلص منها بالطريقة الصحيحة في مراكز إعادة تدوير الأجهزة الألكترونية. إنها لأخبار رائعة!

  حتى إذا كنت تعيش في واحدة من الولايات الأثنتي وعشرين الأخرى التي تفتقد لمثل هذه التشريعات البيئية التقدّمية فإنه لا يزال بإمكانك أن تستفيد من بعض برامج إعادة التدوير من خلال الاتصال بمتاجر الألكترونيات الكبرى مثل متجر بست باي Best Buy ومتجر ستابلز Staples فإنهم يقدمون برامج خاصة بإعادة التدوير في متاجرهم الموجودة في جميع الولايات. و تقدم بعض هذه المتاجر بعض الحوافز المالية لتساعدك في إبرام صفقة اكثر ربحًا فتقدم لك على سبيل المثال بعض التخفيضات على مشترواتك في المستقبل. 
( إذا اردت أن تعرف أين يمكنك أن تعيد تدوير إحدى أجهزتك الألكترونية فتصفح دليلنا الخاص باماكن إعادة التدوير لتتمكن من التعرف على المكان القريب من موقعك)
  هبّ أنك قد انتهيت للتو من تنظيف الجراج الخاص بك والآن لديك صُندُوقًا يحتوي على مجموعة من الأجهزة الألكترونية غير صالحة للاستخدام. ستفعل ما هو صواب وتأخذ هذا الصندوق إلى المركز المحلي لإعادة التدوير وتتخلص منه هنالك بأبتسامة على الوجه. ما الذي سيحدث بعد ذَلِكَ؟
 هنالك بعض مراكز إعادة تدوير الألكترونيات التي تفحص كل النفايات الألكترونية المتروكة عندهم وتشرع هذه المراكز في تصليحها وتجديدها وبيع ما يعثرون عليه من أجهزة صالحة للاستخدام.  وتُغلِّف الأجهزة التي لا يمكنها إصلاحها او تجديدها وتُرسلها إلى مصانع المعالجة حيث يتخلص العمال من المكونات الخطرة مثل أنبوب شعاع الكاثود الموجود في  شاشات التلفاز والبطاريات. بعد ذلك, يفكك العمال باقي المكونات ويشرعون في تصنيفها بناءًا على المادة المصنوعة منها.

  أحيانًا يتولى عملية التصنيف هذه بشر ولكن في بعض الأوقات الأخرى يتولى هذه المهمة أجهزة تصنيف بصري في غاية التقدم. تعتمد هذه الأجهزة على أشعة الليزر للتمييز بين البلاستيك والمعدن وشرائح الكمبيوتر و تضع كل صنف على حدة في إحدى الصناديق. بعد ذلك, تُباع هذه الصناديق التي تحتوي على المواد المختلفة إلى التجار.

في هذا الشأن.....ربما يمكننا أن نتفق جميعا.
  إن العمال الذين يتولون عملية التصنيف ليسوا بالعمالة الرخيصة وكذلك أجهزة الليزر القائمة بالتصنيف البصري. وفي سبيل الاستفادة من كل دولار, تلجأ  كثيرٌا من الشركات إلى تصدير النفايات الألكترونية إلى البلدان الأخرى لتتولى هي عملية تصنيف المواد بالنيابة عنهم. يفعلون ذلك للسبب ذاته الذي يجعل شركات صناعة الملابس تفعل ذلك وهو العمالة الرخيصة في هذه البلدان. حيث تصدير النفايات الألكترونية محتملة الخطورة إلى البلدان النامية أمراً غير قانوني بموجب اتفاقية بازل التي وافقت عليها 182 دولة بالأضافة لجميع دول الأتحاد الأوروبي. حاول أن تُخمّن من الذي وقع على هذه الأتفاقية ولكن لم يصدّق عليها؟ نعم بالضبط, إنه العم سام. لذلك لا يزال تصدير النفايات مستمرًا.

  وكما هو الحال في المصانع المستغلّة للعمال حيث العمل تحت ظروف مزرية,فإن من يعملون في تصنيف النفايات الألكترونية يتعرضون أيضًا لظروف بالغة السوء وأخطار صحية. عندما تُجري عملية تصنيف النفايات الألكترونية في الدول المتقدمة فإن الأمر يتم في ظل ظروف مضبوطة بعناية مع توافر الأحتياطات الامنية. ولكن مَن يُعالِجون %50 إلى 80 % من النفايات الألكترونية للولايات المتحدة التي تُصدرها للخارج ليسوا محظوظين بهذا القدر لينعموا بالعمل في ظلِ هذه الظروفِ.

   يعمل هؤلاء العمال "الذين عادة ما يكونوا أطفال" تحت ظروف مزرية ويتعرضون في الوقت ذاته لمستويات ضارة من المواد الكيميائية السامة مثل الرصاص والزئبق. هذا هو الجانب المظلم من عمليات إعادة التدوير حيثُ يعمل بعض البشر بشكل مُضْني في ظروق تقصم الظهر وذلك ليفككوا شاشات الكمبيوتر القديمة وشاشات الهواتف و يصنفوا مكوناتها.

تأمل عاداتك اولًا:
  ما هو الحل لهذا الوجه القبيح لعمليات إعادة التدوير ؟ أولًا, تأمل عاداتك في الشراء. وتخلّص من العقلية التي تؤمن أن للأجهزة التكنولوجية استعمال لمرة واحدة  ثُم يحين وقت التخلص منها. استثمر أجهزتك التكنولوجية وأعتن بما تملكه من ألكترونيات و كن على استعداد أن تستخدم هذه الأجهزة حتى تصبح عتيقة فربما يعتقد البعض حينها أن جهازك المحمول قديم الطراز يدعو للسخرية ( او يُمكن اعتباره تُحفة أثرية! ) ثانيًا, عندما يحين وقت التخلص من أجهزتك الألكترونية, اطرح أسئلة كالاتي : ما الطريقة المُتبعة للتخلص من النفايات الألكترونية خاصتي ؟ والي أين ستُرسل هذه النفايات ؟ فإذا تبين لك أن مركز إعادة التدوير التابع لمدينتك يُرسل بالفعل هذه النفايات إلى الخارج فعليك أن تضغط علىى الجهة الحكومية المسئولة عن بلديتك لتجعلها تعيد التفكير في هذا الشأن.

وأخيرًا تذكّر أن مشترواتك 
 بما في ذلك التلفاز الجديد اللامع – ليست أشياء تحمل اليك الرفاهية ولكنها تحمّلك المسئولية. إن تكلفةَ شراءِها تفوق كثيرًا القيمة المكتوبة على بطاقة سعرها بالأضافة للتكلفة الباهظة للتخلص منها حتى إذا  قمت بالفعل الصائب وقررت أن تُعيد تدويرها.
إن محرّك البحث الخاص بمراكز إعادة التدوير دائما ما سيكون موقعا جيدًا إذا بدأت البحث عن أماكن لإعادة تدوير النفايات الألكترونية.

الرابط مصدر المقال

Laila Younes

Laila Younes

مترجمين المقال