هل يمكن حقًا الاستفادة من قش الأرز بدلًا من حرقه؟!

هل يمكن حقًا الاستفادة من قش الأرز بدلًا من حرقه؟!




يُذكر أن مساحة المناطق المزروعة بالأرز (باللاتينية: Oryza sativa) حول العالم تُقدر بنحو 408 مليون فدان، بإنتاجية 730 مليون طن من محصول الأرز. وتبلُغ المساحة المزروعة في الهند حوالي 106 مليون فدان، بإنتاجية 96 مليون طن من محصول الأرز ونحو 250 مليون طن من القَشّ. ويواجه المزارعون صعوبات شديدة في التعامل مع الكميات الضخمة من قش الأرز، وبالتالي يلجأون لممارسات حرق القش. وحرق القش في الحقل من أكثر الممارسات السائدة في شمال الهند للتخلص من قش الأرز. ففي إقليم البنجاب وحده، يحّرق المزارعون نحو 15 مليون طن من القش في الحقل، من أصل 17 مليون طن.

وفي السنوات الأخيرة، زادت كميات القش المحروق زيادة كبيرة، مما لفت نظر المجتمع الدولي، خاصًه بعد موسم الحصاد في شهر أكتوبر. فحرق قش الأرز من أكثر الأمور الضارة بصحة الإنسان، وسلامة التربة، وكذلك الصحة البيئية. على الرغم من جهل المزارع السُبُل الاقتصادية المستخدمة للاستفادة من مخلفات قش الأرز، توجد هناك بعض السُبُل البديلة لضمان الاستفادة من قش الأرز بطريقة أكثر كفاءة، وهذا ماكتبت عنه الباحثة الهندية "هارشا وكودكار Harsha Wakudkar "يعتبر إنتاج مُصَبَّعَاتُ(القولبة) الكتلة الحيوية الناتجة من المخلفات الزراعية مثل قش الأرز مصدرًا للطاقة المتجددة، وهي طاقة تولد كهرباء خضراء لا تلحق أي ضرر بالبيئة" مثل، كَبَسَ قش الأرز لإنتاج الْمُصَبَّعَاتُ، الذي يمكن استخدامه كوقود في القطاع المحلي، ووقود للمراحل الحيوية لإنتاج البخار لتوليد الكهرباء وتلبية احتياجات الطاقة المتزايدة مع تزايد عدد السكان. يمكن استخدام الْمُصَبَّعَاتُ المصنوعة من كبس قش الأرز كوقود حيوي لتوليد الطاقة لحل مشكلة اِستِنفاد الوقود الأحفوري. كما يساعد كبس قش الأرز على تقليل اِنبَعاثات الغازات الضارة، والاستخدام المستدام لبقايا قش الأرز جنبًا إلى جنب مع التنمية الريفية.

ما هي أسباب حرق قش الأرز في الحقول؟
يعتبر اِتِّباع نمط زراعة الأرز ثم القمح المتلاحق السبب الجذري لمشكلة حرق قش الأرز، إلي جانب زيادة استخدام الآلات مثل ماكينات الحصاد، مع جهل المزارع بالاستخدام الأمثل لها. فعلى المزارع أن يقوم بتنظيف الحقل في فجوة زمنية من 20-15 يوم- وهي فترة حصاد الأرز وزراعة بذور المحصول التالي (القمح)- وهي مدة قصيرة بكل الأحوال لإعداد الحقل. كما يواجه المزارع نقصًا في العمالة المَعنيّة بجمع وتخزين الأرز، حينئذ يتكبّد المزارع رسوم إضافية لتوفير العمالة. ولا يمكن استخدام قش الأرز مباشرةً كعلف للحيوان، لصعوبة هضمها حيث تحتوي على نسبة عالية من معدن السيلكا، كما أن المزارعين يسدون إحتياجات الحيوان من العلف من خلال خيارات بديلة أخرى. وعمومًا، فإن المزارع يفضل التخلّص من قش الأرز حرقًا بالحقل، باعتبارها الطريقة الأسهل والأسرع من الناحية الاقتصادية.

التأثيرات الضارة لممارسات حرق قش الأرز
يؤدي حرق قش الأرز في الحقول إلى إطلاق غازات دفيئة ضارة مثل الميثان وأكسيد النيتروز وأول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون والمواد الهيدروكربونية والملوثات الجوية مثل الجسيمات وأكاسيد الكبريت والنيتروجين. ويسبب حرق الطن الواحد من قش الأرز، انبعاث 60 كجم من غاز أول أكسيد الكربون، و 1460 كجم من غاز ثاني أكسيد الكربون، 199 كجم من الرماد، و2 كجم من غاز ثاني أكسيد الكبريت تنشأ أيضًا سُحب دخانية ناتجة عن عملية الحرق(السحابة السوداء)، جنبًا إلى جنب مع التلوث البيئي. وعندما يتعلق الأمر بالتعرض المباشر لنواتج عملية الحرق، سيواجه السكان المحليين مخاطر متعلقة بالصحة. وقد يكون هناك مخاطر انتشار النيران وصعوبة السيطرة عليها. واحتمال كبير لتلف المعدات الكهربائية والإلكترونية نتيجة حرق النفايات في الحقل. كما تقع حوادث المركبات -حسبما تفيد التقارير- بفعل عدم وضوح الرؤية على الطريق بسبب الكثافة الكبيرة للأدخنة الناتجة من حرق القش (السحابة السوداء). كذلك يتأثر المحتوى الغذائي للتربة تأثرًا سلبيًا نتيجة عملية حرق القش. فتُحرق العناصر الموجودة بالقش -الكربون، النتروجين والكبريت- بالكامل وتتبعثر في الجو أثناء عملية الحرق. كما أجرت الوكالة الوطنية للاستشعار عن بعد دراسة حول حرق القش. وأفادت نتائج الدراسة بمساهمة حرق القش بإقليم البنجاب بانبعاثات تُقدر ب 261 جيغا غرام [واحد جيجا جرام=1000 طن] من غاز أول أكسيد الكربون، و 19.8 جيجا جرام من أكسيد النتروجين، وغازات أخرى إلى الغلاف الجوي.

وأُعُلن رسميًا أن حرق مخلفات قش الأرز يسبب فقدان المحتوى الغذائي للتربة بما يعادل 3.85 مليون طن من الكربون العضوي. 59000 طن من النيتروجين ، 20000 طن من الفوسفور و 34000 طن من البوتاسيوم.

كبس قش الأرز (القولبة)
تتم  القولبة عبر تحويل المخلفات  المهدرة للكتل الحيوية الزراعية إلى وقود صديق للبيئة مضغوط بشكل مكثف . ويزداد حجم الكثافة للمادة المضغوطة من أربع إلى عشر مرات. وتتم عملية القولبة من خلال آليتين : ضغط الكبّاس أو تكنولوجيا الضغط اللولبية. وتكشف الدراسات عن قيمة الطاقة لقش الأرز والتي تتراوح من 3400 إلى 3600 سعر حراري للكيلو الجرام مما يزيد من قابلية استخدامه كوقود في الغلايات، أفران التدفئة، وأفران صناعة الطوب ،وكذلك أيضًا في الطبخ المنزلي ويمكن أيضًا كبس قش الأرز بخلطه مع  بقايا المحاصيل مثل تبن  فول الصويا أو أعواد البازلاء الهندية، إلخ. هناك نوعان أساسيان لتكنولوجيا القولبة وهما :

-قولبة(Piston)
-قولبة(Screw)

توليد الطاقة من المُصَبَّعَاتُ
في الدول النامية مثل الهند ، الطريق المتبعة لتوليد الطاقة تتم من خلال حرق وقود مثل الفحم في الفرن، ومن خلال ناقل الحرارة يتم إنتاج البخار لتوليد الطاقة . ولكن مع الاستخدام المستمر للوقود الحفري الذي تتناقص كميته بشكل مستمر لذلك فالحاجة ملحة إلى وجود بديل لذلك الوقود التقليدي . وكذلك نتيجة لزيادة أعداد السكان المضطردة عبر العالم يزداد استهلاك الكهرباء للفرد يوما بعد يوم فإن الفحم والوقود الحفري وحدهما غير كافيين لتلبية تلك الاحتياجات. ويمكن تلبية تلك الاحتياجات فقط من خلال بعض البدائل مثل الوقود الحيوي المتشكل في القوالب المضغوطة. ويتم إنتاج الكتل الحيوية للقوالب المضغوطة من المخلفات الزراعية مثل قش الأرز، وغيرها. والتي يمكن استخدامها كوقود حيوي بديلا للفحم .وفضلا عن كونها مصدرًا متجددًا للطاقة فهي أيضًا صديقة للبيئة. فبإمكان الكتلة الحيوية للفحم المضغوط أن تنتج طاقة نظيفة بدون تلك الأضرار الناتجة من  استخدام الوقود الحفري في إنتاج الكهرباء وتوجد تطبيقات عدة لقوالب الكتلة الحيوية (قوالب قش الأرز المضغوطة) كتوليد البخار في الغلايات، أغراض التدفئة، عملية التجفيف وتحويلها إلى غاز بهدف استبدالها محل الوقود التقليدي كالفحم.


الخاتمة
برزت قولبة قش الأرز كخيار دائم لإدارة بقايا المخلفات الزراعية بدلًا من حرقها أو تحللها في التربة، ومن مزايا قولبة قش الأرز أنها تتطلب عملية بسيطة لإنتاجها. وتؤدي إلى تقليل الغازات الضارة واستخدام دائم لمخلفات قش الأرز المتوفرة بجانب التنمية الريفية. وتكشف الدراسة عن أن وحدة واحدة من النبات المقولب (500 كجم/حراري) من شأنها أن توفر وظائف 3000 إلى 4000 عامل في بعض أيام السنة للشباب الريفي. وتعد بذلك مصدر دخل متولد للشباب الريفي العاطل عن العمل وتقضي على مشكلة البطالة ومحدودي الدخل من خلال تبني تكنولوجيا القولبة. بالإضافة لتلك الفائدة للمخلفات الحيوية يحصل الناس على التقدير من استخدام الكربون وذلك بإزالة انبعاثات الغازات الضارة نتيجة حرقها في الحقول المكشوفة. وتبرز الحاجة إلى وجود المنظمات غير الحكومية في المناطق الريفية والعمل على تحويل تلك المخلفات إلى ثروة من خلال الاتجار في إنتاج قوالب القش المضغوطة واستخداماتها، والتي ستلعب دورا حيويا في تنمية معيشة المجتمع الريفي.

ولتلبية متطلبات الطاقة نتيجة الزيادة في أعداد السكان؛ يمكن استخدام قوالب الفحم كبديل دائم للفحم أو الوقود الحفري لتوليد الطاقة. وستتغلب أيضا على مشكلة استنزاف الوقود الحفري في المستقبل لأن القوالب الحيوية في حد ذاتها مصدرًا متجددًا للطاقة. ويسهم إنتاج قوالب الفحم من قش الأرز في تحسين دخل المزارع بجانب توفيرها لوقود حيوي في المناطق الريفية. يمكننا الاستنتاج بأنه باستخدام تلك التكنولوجيا (قولبة قش الأرز) ستساعد في الارتقاء بالاقتصاد الاجتماعي للمجتمع الزراعي والحد من الغازات الضارة في الغلاف الجوي .

 


الرابط مصدر المقال

محمد فؤاد راغب

محمد فؤاد راغب

مترجمين المقال