التحديات الكثيرة أمام إعادة تدوير البلاستيك

يُصنَع ما يربو على 100 مليون طن من البلاستيك سنويًا في كل أرجاء المعمورة، ويعادل ذلك 200 مليار رطل من مادة جديدة متاحة في الأسواق كل عام وجاهزة للتشكيل الحراري والترقيق والإرغاء والخروج على هيئة مليارات المنتجات والأغلفة. خلال العقود الماضية، أعتمدت الصناعة على مادة البلاستيك وأصبح البلاستيك واحدًا من أكثر المواد شيوعًا في العالم وأكثرها تعددية في الاستخدام، ونتيجة لذلك واحدًا من أكثر المواد صعوبة من ناحية تجميعه وإعادة تدويره.

وفقًا لأحدث تقرير نشرته وكالة حماية البيئة الأمريكية عن النفايات الصلبة المحلية، لا يزال معدل استعادة البلاستيك ثابت على معدل 9% في الولايات المتحدة الأمريكية. فمعظم البلاستيك المُستعاد مصنوع من مادة بولي إيثيلين تيرفثالات (PET) أومادة البولي إثيلين عالي الكثافة (HDPE) لأنه من الواضح أنها المواد التي  تهيمن على سوق المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير. ومع ذلك، يظل معدل استعادة مادة (PET) هو 31% فقط ومعدل استعادة مادة HDPE هو 28% فقط، حتى فيما يخص البلاستيك الأعلى قيمة، فما هي التحديات التي تمنعنا من الوصول لمعدلات استعادة أعلى بشكل عام؟


البلاستيك المصبوغ

إذا كانت المنتجات البلاستيكية تحتوي على ذات المركب من مادة الراتنج وذات اللون ودرجة الشفافية والحجم والوزن، لما كنا في حاجة لمناقشة هذه المشكلة الآن؛ لأنه حينها سيكون من الممكن إعادة تدوير كل شيء معًا. وإلى حد ما، هذا ما يحدث في حالة الألمونيوم الذي يتمتع بأعلى معدلات إعادة تدوير على مستوى العالم. ولكن مع وجود الملايين من منتجات البلاستيك ومواد التغليف البلاستيكية المختلفة في الأسواق، فمن الواضح أن الأمر لا ينطبق على البلاستيك. يمكن للبلاستيك المصبوغ والمُلون على سبيل المثال أن يسبب مشاكل لمرافق استرداد المواد (MRFs) وذلك لأن قيمته في السوق منخفضة كثيرًا عن غيره.

دائمًا ما يكون البلاستيك الشفاف مُفضلًا في سوق المواد المُعاد تدويرها وقيمة مادته أعلى؛ وذلك لأنه عادة ما يُمكن للبلاستيك الشفاف أن يُصبَغ بمرونة شديدة. وصاحب المركز الثاني من حيث الأفضلية هو البلاستيك الأبيض حيث أن مشكلته الوحيدة هي أنه لا يمكن تحويله لبلاستيك شفاف، ولكن من الممكن تحويله لأي لون آخر. ولكن البلاستيك المُلون خاصة غير الشفاف عادة ما يقتصر تغييره على درجات الألوان الأغمق من الصبغة الأصلية أو اللون الأسود. ولهذا السبب تعتبر بعض مرافق إعادة التدوير بعض أنواع البلاستيك المُلون ملوثات لخط إعادة التدوير وتتخلص منه لاحقًا بدلًا من إعادة تدويره. ما يخفف من وطأة الأمر هو انخفاض تكلفة النفط حيث أنه يجعل منافسة سعر البوليمرات البكر أكثر صعوبة للعاملين في إعادة التدوير.

على المُصنّعين الذين يأملون أن يُعاد تدوير مواد التغليف المُستهلكة مُسبقًا بشكل صحيح أن يفكّروا في لون ودرجة شفافية الزجاجات والعبوات التي ينتجونها. حتى العبوات المصنوعة من مادة PET قد لا تٌعيد بعض مرافق إعادة التدوير تدويرها إذا كانت مُلونة أو غير شفافة.
 

التغليف المستدام

بدأ بعض المُصنّعين الإتجاه إلى بدائل للتغليف تحظى بالثناء بسبب خصائصها الصديقة للبيئة والمستدامة. وأحد الأمثلة متزايدة الشعبية على هذه البدائل هو التغليف متعدد الطبقات وغيره من أشكال التغليف خفيف الوزن. إن فكرة "تقليل المصادر" رائعة ويمكنها بالتأكيد أن تشهد تطبيقات عملية، ولكن صيحة تقليل وزن المنتجات بها بعض الآثار الجانبية طويلة المدى. على الأغلب، إن البدائل التي اتجه إليها المُصنعون مثل الأكياس الصغيرة والجيوب البلاستيكية المرققة غير قابلة لإعادة التدوير على مستوى العالم. تعتبر هذه المسألة غير مهمة بإعتبار أن معدلات إعادة التدوير منخفضة بالأساس، فإرسال كيس خفيف الوزن إلى مدفن للقمامة أفضل من إرسال قطعة بلاستيكية صلبة ذات كتلة أكبر، ولكن بمجرد أن تبدأ معدلات إعادة التدوير في الارتفاع  فإن البدائل خفيفة الوزن وغير القابلة لإعادة التدوير ستصبح غير منطقية من منظور مبدأ الاستدامة.

وهنالك أيضًا البلاستيك الحيوي الذي يُنتج من المواد المتجددة مثل الكتلة الأحيائية النباتية. يُمكن لبعض الأنواع خاصة القوية منها أن يُعاد تدويرها بانتظام مع البلاستيك التقليدي، ولكن تُصنف أنواع أُخرى على أنها مواد ملوثة، ولذلك يتعين إلقاءها في مكب النفايات. ويدّعي البعض أن هذه الأنواع قابلة للتحلل الأحيائي مما يُمكن أن يكون تضليلًا إذا ما تأملت فكرة أنه يتحتم  إرسال الكثير إلى مرافق التخصيب الصناعي لتفكيكها.


حيرة المستهلك

في أواخر الثمانينات، وضعت الجمعية الأمريكية للصناعات البلاستيكية SPI رموز تعريفية لمادة الراتنج لمساعدة مرافق إعادة التدوير على التعرف على نوع البلاستيك الذي يعالجونه. إن هذا الرموز الصغيرة المطبوعة على الزجاجات والعبوات والمُغلفات البلاستيكية ساعدت الكثير من مرافق إعادة التدوير ومنشآت استعادة المواد على تجميع كميات أكبر من المواد البلاستيكية وتصنيفها ومعالجتها بدقة أكبر. هذا عظيم ولكنه يحمل في طياته بعض السلبيات.

الشاغل الأكبر في هذة المسألة هو أن رموز تعريف الراتنج تتشابه بشكل كبير مع رموز إعادة التدوير العالمية، مما يسبب إلقاء الكثير من المستهلكين المواد البلاستيكية غير القابلة لإعادة التدوير في صندوق إعادة التدوير بسبب الخلط بينهم. إذًا تقع المسؤولية على المستهلك بأن يكون واعيًا بأي نوع من الراتنج يقبله برنامج إعادة التدوير المحلي وأي نوع لا يقبله. في الواقع أشار العديد من المستهلكين إلى كونهم في حيرة من أمرهم بشأن أي نوع من البلاستيك يُمكن إعادة تدويره وأي نوع لا يقبل ذلك. إن إغراق منشآت استعادة المواد ببلاستيك لا يُمكن إعادة تدويره يُمكنه أن يُزيد من التكاليف الإدارية العامة لعملية الفرز لتُرسل المواد في النهاية إلى مدفن القمامة على أية حال.

ولكن هنالك أخبار سارة في انتظارنا. في عام 2013 أُعلن أن التغييرات التي أُجريت على رموز تعريف الراتنج ستُنهي استخدام رمز "الأسهم المتلاحقة" ليُستخدم في المقابل مثلث متساوي الأضلاع، وسيتعين على بعض المنتجات البلاستيكية التي تحمل رمز 7# (أو التي تحمل كلمة "نوع آخر" للإشارة إلى الأنواع المتفرقة من الراتنج) سيتعين عليها تعريف نوع الراتنج بالإضافة إلى ذكر الرمز. من الممكن أن يُساعد هذا التغيير على التقليل من حيرة بعض المستهلكين، خاصة وأن هذه التغييرات يتبناها باستمرار المُصنعون الماضون إلى الأمام.

إن المُلصق الموضح لكيفية إعادة التدوير الذي أصدرته شركة جرين بلو GreenBlue  هو طريقة أخرى للمضي قُدمًا، وقد استخدمته العديد من كبرى العلامات التجارية العالمية ومُصنّعي المنتجات. يُمكن التخفيف من حيرة المستهلك بشكل كبير إذا ما وُضِعت صور صغيرة وتعليمات متعلقة بإعادة التدوير على كل ملصق. يعتمد الأمر برمته على تزويد المستهلك بالمعلومات الكافية لكي يتخذ القرار الصحيح بشأن التخلص من كل مكون من مكونات المنتج أوالتغليف.


مستقبل إعادة تدوير البلاستيك

في الأسواق الحالية، يُعد السبيل الوحيد لضمان إعادة تدوير البلاستيك بشكل صحيح هو أن ياخذ المُصنّعين في حسبانهم كل الاعتبارات المذكورة آنفًا عند تصميم منتجاتهم وتغليفها. يُمكن أن يكون ذلك صعبًا بشكل خاص في تصنيع المنتجات التي تتطلب تغليفًا مُحكمًا مثل الأطعمة والمشروبات التي يجب أن تٌغلف بشكل مُعين لزيادة مدة صلاحية التخزين والحفاظ على المنتج.

على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية ككل يُمكن أن تكون متأخرة كثيرًا في طريقها لمحاكاة النماذج الأوروبية لإعادة التدوير، أو حتي النماذج الخاصة بولاية كاليفورنيا وحدها، فإننا نشهد العديد من الأبتكارات المُهمة والتحسينات التي تساعد على جعل الأمر واقعًا. إن معدل استعادة الزجاجات البلاستيكية في تحسن حيث ساعد نظام إعادة التدوير أُحادي المسار على زيادة معدلات الاستعادة في كثير من المجتمعات التي لم تكن تطبق إعادة التدوير في السابق. ويُطالب المستهلكون بان يُصنَع التغليف بمواد أكثر استدامة وبدأ المُصنّعون في الاستجابة لهم. حيث حدثت ابتكارات مشوقة في مجال إعادة تدوير البلاستيك. وأصدرت العديد من الولايات تشريع "مسؤولية المُنتِج الموسعة" ليُطبّق على بعض أشكال النفايات. وشرع عدد متزايد من البلديات في منع استخدام بعض المنتجات البلاستيكية التي يَصعُب إعادة تدويرها ودشّنت مبادرات خاصة بها لتقليل النفايات ووضع أهداف خاصة بها لإعادة التدوير.

إننا نمضي على الطريق الصحيح نحو معدلات استعادة أفضل وعمليات إعادة تدوير أكثر فاعلية حتى لو كان (وسيظل) الطريق أمامنا ملىء بالعقبات.

الرابط مصدر المقال

Laila Younes

Laila Younes

مترجمين المقال