إعادة تدوير المخلفات...قصة نجاح!!

  من الواضح تزايد وجود برامج إعادة تدوير ما بعد الاستهلاك الإلزامية في الدول الصناعية مثل الولايات المتحدة والسويد والتي عادة ماً ترفع التكاليف، وتسيء استهلاك الموارد، بل وتضر البيئة.

في غواتيالا.....
 على الرغم من ذلك نمت صناعة إعادة التدوير التنافسية، والتي تُعيد تدوير نفايات ما بعد  الصناعة ونفايات ما بعد الاستهلاك بنجاح بدون أي تدخلات تعسفية من الحكومة. في الواقع، يتنافس أصحاب المشاريع في غواتيمالا على مصادر للمواد القابلة لإعادة التدوير، مما يوسع نطاق الصناعة إلى ما هو أبعد من مكانتها الأولية لإعادة تدوير خردة ما بعد الصناعة.
منذ ثمانية أعوام، بدأ الشركاء في شركة التعبئة والتغليف البلاستيكية الغواتيمالية عملية إعادة تدوير صغيرة أسموها إكوبلاست. وقد نمت شركة إعادة التدوير من آلة واحدة  في الجزء الخلفي من شركة التعبئة والتغليف إلى شركة تعمل  ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع باستخدام آلات إيطالية مستوردة قادرة على معالجة أكثر من 400 كجم / ساعة من البلاستيك، مع أكثر من خمس وثلاثين موظفاً بدوام كامل وما يصل إلى عشرين عاملاً مؤقتاً في الأوقات المزدحمة. الأكثر إبهاراً انه توسعت الشركة لمجاري نفايات إضافية وتتطلع إلى المزيد.

غواتيمالا؛ حيث يستهلك مواطنوها بلاستيك أقل!!
  بعد أن بدأت شركة إكوبلاست بخردة ما بعد الصناعة نظيفة نسبياً من مصانع البلاستيك المحلية، تقوم الشركة حالياً بإعادة تدوير نفايات ما بعد الاستهلاك القذرة (أي القمامة المنزلية) المأخوذة من مكب القمامة لمدينة غواتمالا. يبيع إكوبلاست الكريات البلاستيكية المعاد تدويرها التي تنتجها للعملاء في الصين والمكسيك والولايات المتحدة، وكذلك للمنتجين المحلين للبلاستيك.
 غواتيمالا بلد فقير نسبياً (بلغ نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي 910,1 دولار فقط في عام 2003 مقارنة ب 37،610 دولار في الولايات المتحدة)، ولذلك يستهلك مواطنوها بلاستيك أقل من البلدان الأكثر ثراءَ. ومع ذلك نجحت صناعة إعادة التدوير الغواتيمالية في القيام بما تكافح البلدان الغنية بفعله وهو إعادة تدوير نفايات بعد الاستهلاك. 

لماذا نجح قطاع إعادة التدوير في القطاع الخاص في تحقيق النجاح في غواتيمالا؟
لشئ واحد؛ حيث غواتيمالا لا تنتج محليًا الكريات البلاستيكية المستخدمة للتعبئة والتغليف وغيرها من المنتجات. وقد صنعت تكاليف نقل هذه الكريات من الولايات المتحدة (المصدر الرئيسي للمواد الخام لصناعة البلاستيك في غواتيمالا) فرصة تجارية لإعادة تدوير البلاستيك.
وثمة عامل آخر؛ هو انخفاض تكلفة العمالة نسبياً في غواتيمالا. إعادة تدوير نفايات ما بعد الاستهلاك تقوم على العمال بشكل و يشمل العمل فصل أنواع مختلفة من البلاستيك من بعضها البعض ومن بقية القمامة، وبعد ذلك تنظيفها لإعادة التدوير. (ارتفاع تكلفة العمالة في الولايات المتحدة هو أحد الأسباب التي تجعل برامج إعادة تدوير البلديات في الولايات المتحدة تتطلب من المستهلكين أن يقوموا بفرز مبدئي للقمامة الخاصة بهم.)
 في غواتيمالا، يتم فرز وتنظيف القمامة دون جعل المنتج المعاد تدويره أكثر تكلفةً من المواد الأصلية.

تحويل هذه الفرصة إلى عمل ناجح!!
 حقيقةً إنه لأمر يتطلب أكثر من ميزة التكلفة المحتملة بالطبع. وقد وجد رجال الأعمال الغواتيماليون طرقًا جديدة لفصل المواد القابلة لإعادة التدوير عن القمامة الأخرى.
عملية إعادة التدوير تبدأ في الشاحنات (التي يديرها أصحاب العمل الخاص، وليس الحكومة) التي تلتقط قمامة مدينة غواتيمالا. ومع مرور الشاحنات عبر المدينة، يقوم العمال داخل الشاحنات بفرز المواد القابلة لإعادة التدوير، بما في ذلك الأكياس التي تستخدمها الأسر للتخلص من القمامة. 
 وبحلول الوقت الذي تصل فيه الشاحنة إلى مكب النفايات يكون تم بالفعل فرز أولي للمواد القابلة للتدوير. (عن طريق جمع القمامة وفرزها في شاحنة واحدة، فإن طريقة غواتيمالا تقلل من انبعاثات هواء الشاحنات الملوث وتخفض التكاليف، على النقيض، في نيويورك تحمل مجموعة واحدة من الشاحنات القمامة، وتقوم أخرى بحمل المواد القابلة لإعادة التدوير، مما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف، بما في ذلك البيئية).

  وبمجرد أن يتم تفريغ القمامة في مكب نفايات مدينة غواتيمالا، يقوم عدد كبير من عمال فرز القمامة المستقلين بالحبث مرةً ثانيةً بحثاً عن مواد قابلة لإعادة التدوير. تتواجد سلسلة من الأسواق المتخصصة عند مكب النفايات تشمل أنواع مختلفة من البلاستيك والزجاج والمعادن. افتتحت إكوبلاست مؤخرا منشأة بجوار مكب القمامة. وهذا يقلل من تكاليف النقل (وانبعاثات الشاحنة) بشكل كبير، حيث أن التقطيع في الموقع يقلل من الحجم الذي يجب نقله بالشاحنات إلى المصنع الرئيسي.

حياة فارز القمامة ليست سهلة!!
   فقد أبرزت الأفلام الوثائقية عن مكب نفايات غواتيمالا الحياة الصعبة للفقراء الذين يعملون هناك. وقد عانى الكثيرون جروح في الأذرع والأقدام نتيجة الجروح خلال فرز النفايات. الرائحة وحشد الحشرات التي تحوم حول المكب نجعل ظروف العمل غير سارة. ومع ذلك فإن فرز القمامة يوفر مصدراً للدخل لمئات من الناس.
و بدون جهود فارزي القمامة، لن يحدث الفصل الحاسم للمواد القيمة في القمامة. فان إعادة التدوير تعتمد علي تقسيم القمامة لمواد منفصلة. و يحدث هذا الفصل إما عن طريق العمل التطوعي مدفوع بنهاية مجري النفايات كما هو الحال في غواتيمالا ، او من خلال العمل الإلزامي غير مدفوع الأجر بالمنزل كما هو الحال في معظم برامج إعادة التدوير ببلديات الولايات المتحدة.

حديثاً دخلت العديد من المشاريع التجارية في إعادة تصنيع البلاستيك، فقد قاموا بتوسيع أفاق بحثهم عن البلاستيك القابل للتدوير ليتجاوز البحث فقط في مقالب نفايات البلدة و بعض مصادرها الأصلية. 
 فعلي سبيل المثال، تقنع شركة إكتوبلاست العديد من شركات الأغذية لتبيع نفايات التغليف البلاستيكية المهملة عندها، أفضل من أن تحرقهم في محارق بالهواء الطلق. و بهذا فإن شركات الأغذية يكون لها مصدر كسب من نفاياتهم، و تحصل شركة إكتوبلاست علي المزيد من البلاستيك، و تتحسن جودة الهواء بنهاية محارق أكوام البلاستيك. 

  فمن خلال توفير مناطق للتجميع بعيدة و مجهزة بمعدات سحق الزجاجات، أصبح من الممكن تقليل تكلفة نقل نفايات المستهلك. فعلي سبيل المثال، تخطط شركة إكتوبلازست لتجميع المهملات البلاستيكية من مدارس غواتيمالا.

  وقد وجدت احدي الشركات في غواتيمالا فرصة لا يوجد لها مثيل لتجميع المهملات. حيث كان علي محطة الطاقة الكهرومائية الموجودة علي نهر لاس فاكس أن تتعامل مع القمامة العائمة في النهر التي قد تشابكت مع معداتها. لذا فقد بنت الشركة حاجز في اعلي مسرب المياه بالنهر. ثم بعد ذلك، بنت الشركة مصنع لإعادة تدوير البلاستيك المتراكم. أما الأن ، فقد أنتجت الشركة سور من البلاستيك.

  تواجه صناعة إعادة تدوير المخلفات تحديات لا يمكن تصديقها في البلدان متقدمة الاقتصاد؛
  حيث إن إعادة تدوير المخلفات تتطلب و بشكل جوهري كميات كبيرة من الكهرباء، و خدمات للنقل، ومياه نظيفة باردة (مدخلات و التي غالبًا ما تقوم الصورة الخضراء لصناعة إعادة التدوير بحجبها). وليس أيًا من هذه الأشياء رخيص أو سهل الوصول إليه في غواتيمالا. فعلي سبيل المثال، تنفق شركة إكتوبلاست $8,000 شهريًا علي الكهرباء، و ذلك يعد بمثابة أكثر من ضعف المبلغ الذي ينفقه أي مصنع يقوم علي تلك الصناعة حتي في أكثر الأماكن ترفًا في الولايات المتحدة الأمريكية.

  تنشط عصابة القمامة بمواقع مقالب النفايات في غواتيمالا. حيث يحصل مجموعة من الزعماء علي امتيازات من الجماعات الإجرامية المنظمة الرئيسية تجاه أنواع عديدة من المواد الموجودة بمقالب القمامة.
  فقط الأفراد ذوي الصلة بالزعيم هم المصرح لهم بفرز القمامة. وكل المواد الموجودة القابلة للتدوير يجب أن تباع فقط للزعيم. وقد أدت قلة المنافسة بين الموردين لوصول حمولات لا تفي المعايير المطلوبة إلى شركة إكتوبلاست، بما في ذلك مواد بلاستيكية لم تفرز ومواد متسخة.

  قررت شركة إكتوبلاست أن تتجنب زعيم القمامة و وضعت لوحة في مقلب النفايات، سعيًا لمبيعات مباشرة للمواد القابلة للتدوير. فقامت العصابة سريعا بالرد علي المافيا بسبب ذلك القرار، وقطعت المبيعات لشركة إكتوبلاست وهددت بالاعتداء علي المصنع وأصحاب الشركة.
   وبسبب قوة عصابة القمامة التي تنبع من قدرتها علي إغلاق مقلب القمامة كليًا، فلا توجد أي سلطة كانت مستعدة أو قادرة علي منع تلك التصرفات غير القانونية. و من خلال تقديم الشكوى لسلطات عليا داخل العصابة، أصبحت إكتوبلاست  قادرة علي دفع زعيم البلاستيك لتغيير تصرفه.
  
   حتي إحدى المزايا التي تتمثل في انخفاض تكاليف العمالة، لم تكن مثل ما سيكون في الأسواق المحررة. فقد رفعت حكومة غواتيمالا تكاليف العمالة من خلال مجموعة من الضرائب والقوانين، بما في ذلك شرط أن يدفع أصحاب العمل مرتب شهر للعمال كل 6 أشهر(مطلب فعال دفع مرتب سبعة أشهر لستة أشهر)، وأن يكون هناك مكافأة إلزامية كل شهر، وأجازة سنوية مدتها خمسة عشر يومًا. علاوة علي تعويضات البطالة وضرائب أخرى، مما يجعل تكاليف العمالة تزيد لحوالي 45٪.
  
ربما تصبح دولة غواتيمالا يومًا ما كالولايات المتحدة الأمريكية؛
 فلا يحتاج مواطنيها لتخزين القمامة للاستفادة منها في معيشتهم، و قد تتراجع المشاريع التجارية الخاصة بصناعة إعادة تدوير القمامة. ولكنها اليوم توفر فرص لزيادة معدل الرخاء في غواتيمالا، بينما تبين أنه عندما تعطي صناعة إعادة تدوير القمامة مفهومًا اقتصاديًا، فإما صحاب المشاريع سيزودونه.


ملاحظات:
1- نقلت صحيفة نيويورك تايمز (يوم 2 فبراير 2004) أن مكتب الميزانية المستقل بمدينة نيويورك أن برنامج إعادة تدوير القمامة بالمدينة يكلف من 34 دولارًا لـ 48 دولارًا للطن والذي يكلف أكثر من تكلفة جمع القمامة و نقلها لمدافن القمامة،
  بعيدًا عن التكلفة الإضافية لتشغيل قافلتان من السيارات لحمل القمامة والمواد القابلة للتدوير. 

وللإطلاع أكثر، انظر في كتاب (ثماني أساطير لإعادة التدوير) لدانيال كاي بينجامين.

الرابط مصدر المقال

Eman Ismael Mohamed

Eman Ismael Mohamed

مترجمين المقال