أكياس القمامة مقياس النمو في نيويورك....

  لم يكن يملك مارك باتون العديد من الجيران في (ويليامزبرج أوبروكلين)، ولكن عليه الآن أن يعرف لأن وظيفته هي التنظيف ورائهم....

وكأي عامل نظافة في نيويورك، يقود المكنسة الآلية في الشوارع المُشجرة والمباني السكنية الجديدة ومحطات مترو الأنفاق المزدحمة ومن بناية إلى أخرى في المتاجر والمطاعم والحانات. حيث يجد أن العديد من زجاجات المياه، المناديل المتسخة، أعقاب السجائر والمخلفات القبيحة أصبحت أكثر مما كانت عليه عندما بدأ منذ تسع سنوات، حيث عليه أن يعود مرة أخرى ويلقي نظرة ثانية.
ويعقب باتون قائلًا: "علىَّ أن ألتقط كل هذه القمامة، لن أتسطيع أن أرتاح أبداً."

  لم يكن تنظيف نيويورك شيئًا سهلًا على الاطلاق، ولكن الأمر قد ازداد صعوبةً وتكلفةً، حيث أن تعداد السكان يصل إلى (8.5) مليون نسمة، والسياحة المزدهرة تعني المزيد من الناس وبالتالي المزيد من النفايات في أغلب الأماكن أكثر من أي وقت مضى.
كما قامت الأماكن الصناعية البائسة المجاورة مثل (ويليامزبرج) و(لونج آيلاند) و(مدينة كوينز) بتحويل المخازن والأبراج الشاهقة اللامعة لمكان مملوء بالنزلاء الجدد وبالتالي المزيد من القمامة. حتى أقاليم المدينة ذات الكثافة السكانية القليلة مثل جزيرة ستاتين تواجه تزايد أكوام القمامة، 
"دائماً لدينا نفايات ولكن هذا قد وصل إلى مستوى غير مسبوق" هكذا صرَّح (جيمس س. أودو)-رئيس أقليم جزيرة ستاتين- المسؤول عن شركة تنظيف خاصة متاحة لعمليات التنظيف الطارئة وشراء مكسنة آلية صغيرة وعربة كنس ليضيفها إلى مستودعة.

  أنفقت إدارة الصحة (58.2) مليون دولار لتنظيف الشوارع العام الماضي مقابل (49.5) مليون دولار للعام الذي يسبقه!!

   حيث قامت بنشر أسطول مكون من (450) من كنّاسي الشوارع على الطرق الجديدة الممتدة إلى الأحياء المجاورة، بما في ذلك تخصيص عدد منهم لجزيرة ستاتين لأول مرة على حد قول مسؤولي الصحة. كما قامت بزيادة عدد صفائح القمامة على جانب الطرق حيث وصل عددها إلى (24,131)مُضيفةً بذلك خدمات إضافية أيام الآحاد؛ لتستوعب هذا الكم الكبير من نفايات السكان.

قالت موفدة المرافق الصحية بالمدينة (كاثرين جارسيا)  "أنا الشخص الوحيد الذى أود أن أراها تمطر يوم الأحد لكي أرى حركة المرور أقل."

   وليس فقط عمال النظافة الأكثر انشغالاً، فقد أطلق عدد من أصحاب الأعمال وآخرون برنامج "استعمل السلة" لإفراغ صناديق النفايات بالشوارع وصل به عدد المتطوعين إلى (3.276) متطوعًا، مقابل (1880) العام الماضي. وقد أرسلت منظمات المجتمع المحلي مئات من أطقم التنظيف لجمع القمامة كجزء من برنامج "تنظيف نيويورك" الممول من المدينة والذي يتسع مداه كل عام منذ أن بدأه مجلس المدينة في عام (2014).

  وقد تضاعفت عمليات التنظيف أربع مرات على جسر بروكلين أسبوعيًا في عام (2014)، بعدما لاحظت مفوضة النقل فى المدينة (بولي تروتينبيرج) أن سلال القمامة بدأت تطفح  بما بها، والأن تضاعفت عملية جمع القمامة، حيث قالت: 
"لا أحد يريد أن يرى القمامة متراكمة ومبعثرة على جسر بروكلين."

 ميدان تايمز الذي يجذب ما يقرب من (450) ألف شخص يوميًا،يطلب طقم عمال نظافة متفرغ يُقدر عددهم بحوالي(68) شخص مقابل (41) شخص في عام (2012) من بينهم عامل وظيفته الأساسية جمع العلكة التي تقدر بحوالي(400) قطعة يوميًا، على حد قول (تيم تومبكينز) رئيس إتحاد ميدان تايمز. وقد استثمرت المنظمة (1.5) مليون دولار في(285) حاوية نفايات مضغوطة مما أدى إلى تقليل كمية النفايات من جبل إيفرست لأكياس القمامة على حد تعبير السيد تومكينز.

   ولكن مع كل عمليات التنظيف الإضافية ، ما زالت القمامة تتراكم في أرجاء المدينة، وفي(مانهاتن) يتم تكديس القمامة بارتفاع يصل إلى(10) أقدام أمام أبراج سكنية جديدة ولامعة، مما يؤدي إلى انسداد الأرصفة الضيقة واجتذاب الفئران.
وقد اشتكى عدد من السكان على امتداد النهر في بروكلين من القمامة مما دعى عضو المجلس المحلى (ستيفن ليفين) لعقد اجتماع بالمدينة.

   في (جنوب برونكس)، قال عضو المجلس المحلي رافائيل سالامانكا "الابن"
 "أنه يرى المهملات تطفح من الصناديق كل يوم، كما قال "أُصرح من هنا أن جنوب (برونكس) تتغير وأننا نمضي على الطريق الصحيح" وأضاف: "وأكثر مشهد  يزعجني رؤية صناديق القمامة الطافحة في الشارع من مكتبى."

  وتعود مشاكل القمامة في مدينة نيويورك إلى الأيام الأولى للاستيطان الهولندي على حد قول (روبن ناجل) أستاذ الأنثروبيولوجي في جامعة نيويورك ومؤلف كتاب "تنظيف الشوارع ومخلفات الشاحنات مع عمال النظافة في مدينة نيويورك".

  وفي عام (1656) أصدر (بيتر ستايفسنت) قرارً ينص على أن سكان المدينة يمكنهم التخلص من القمامة فقط عبر خمس نقط محددة على طول النهر الشرقي فيمحاولة لتنظيف الشوارع المتسخة، وذلك تم تجاهله كثيرًا، ولكنه سيظل التحدي الدائم على حد قول السيدة ناجلى مامور. وكما هو الحال الأن، فالقمامة يمكن أن تضيف حياة إلى حياتها، بنفس مبدأ أن عدد قليل من النوافذ المكسورة في إحدى المجتمعات يشجع على ارتكاب الجرائم أكثر وهذا يعرف ب"نظرية النوافذ المكسورة "
حتى لو كانت كمية القمامة الملقاة بالشارع قليلة فيمكنها جذب المزيد حيث قالت السيدة (ناجلي) أن ذلك بمثابة دعوة لجذب المزيد من القمامة.

   وفى (فلاشنج) في حي (كوينز) الذي يشهد تدفق أعداد كبيرة من السكان والزوار،أصبح مثلث المشاة يعرف بمثلث القمامة، فعندما قام شخص ما بإلقاء أكياس القمامة هناك فتبعه البقية.

 ووفقًا لعضو المجلس (بيتر كو) الذي دفع بمغناطيس أخر لاتمام عملية التنظيف لإزالة القمامة المتراكمة على امتداد الطريق الأربعين. حيث يوجد مدخل لطريق السكك الحديدية لونغ آيلاند، على امتداد المطاعم، المتاجر والملعب.
 حيث قال؛ "وما زالت شوارع المدينة تبدو كعادتها أكثر اتساخاً، ففي العقد الماضي كانت أكثر من 90% من شوارع المدينة تعتبر نظيفة ومقبولة في بطاقة نتائج التفتيش السنوي التي يديرها مكتب المحافظ، وذلك يتم عن طريق المقارنة حيث فقط 35% من الشوارع مطابقة للمواصفات في عام 1980،عندما كانت المدينة تواجه مشاكل كبيرة بما فى ذلك الجريمة والأزمات المالية."

ولا يترك المسؤولون عن النظافة في المدينة أثرًا للقمامة والمخلفات التى تلتقط بواسطة المكانس الآلية أو تجمع من صناديق الشوارع في أحد الأحياء، فالكمية الإجمالية التي جمعتها الإدارة بما في ذلك ما جمعته من المباني قد انخفض إلى 3.2 مليون طن مقابل 3.5 مليون طن للعقد الماضي. مما أدى إلى زيادة عملية التدوير وتصنيع الأسمدة مما وفر للمصنعين تعبئة أقل على حد قول السيدة (جارسيا) مفوضة المرافق الصحية، وضافت أن تزايد عدد السيارات التي لا تهتم بقواعد تنظيف الشوارع يشكل صداعًا كبيرًا لعمال النظافة لأنهم يضطرون إلى التنظيف حولهم.

حيث أصدرت الإدارة 263.421 مخالفة لسائقين فشلوا في نقل سياراتهم فى عام 2016 مقابل 218.976 في عام 2010.

  الجلوس خلف عجلات مكنسة الشوارع الآلية مؤخراً في الصباح أجبر السيد باتون أن يعمل فى شكل متعرج حول السيارات المتوقفة بينما يلوذ السائقون الآخرون بالفرار.بينما هو يتقدم ببطىء نحو تقاطع مزدحم بسرعة 10 أميال في الساعة ، ففرمل فجأة لأن امرأة كانت تتحدث بالهاتف اندفعت أمامه، ثم قال "على الرغم من أن صوتي كان عالياً، إلا أنه يبدو أنهن لم يلاحظوني".

   يقول السكان في ويليامزبرج وأحياء أخرى أن العديد من الزائرين يلقون أكياس القمامة في التوقيت الخطأ مما يؤدي أحياناً إلى بعثرتها لأيام، وبعضهم يخفق في ربط الأكياس بعناية أو استخدام أكياس بلاستيكية محكمة مما يؤدي إلى فتحها وبعثرتها فى الشارع... 

  وقد قال (هومر هيل) المسؤول عن عمليات الإصلاح بشارع جراند للأعمال والذي يحافظ على ستة مبانٍ بالاضافة إلى 200 مبنى في ويليامزبرج 
  "أن مجموعته تكثف الجهد لتعمل مع السكان والمالكين الجدد للعقارات لتعليمهم جداول المجموعة خصوصًا المباني الصغيرة التي لا تحظي بإشراف دائم، كما أن الحي يوفر عمال نظافة على مدار الأسبوع للعناية بالشوارع." 

إن مكافحة انتشار أكوام القمامة في بعض الأحيان يتطلب إبداعًا!!
 حيث تقوم إدارة الحدائق باختبار برنامج إدارة للنفايات بحديقة كورونا في برونوكس، حيث يوضع صناديق القمامة المعاد تدويرها باستراتيجية في الأماكن المزدحمة وتحاط بخرسانة لمنع نقلها من قبل مستخدمين الحديقة.

  وقد شنّ المسؤولون عن جزيرة ستاتين حملة إعلامية عدائية للحد من إلقاء القمامة مع السيد أودو الذى أطلق على الذين يفعلون ذلك لقب "الحمقى الصغار" على الفيس بوك، 
وبعض السكان إذا قاموا بضبط من يفعل ذلك سرعان ما يطلقون عليه حملات التوبيخ قائلين "حقيبة القلعة البيضاء المتدلية من سيارة" حيث إن صور اللوحات معروضة على وسائل التواصل الإجتماعي. 

تنظيف مدينة نيويورك ضاعفت برنامج التدريب الوظيفي مع منظمات المجتمع المدني لتوظيف المشردين والسجناء كعمال نظافة!!

 وإحدى أكثر مبادرات مجلس المدينة شعبية أنها تلقت تمويلاً بقيمة 7.8 مليون دولار العام الماضي مقابل 3.5 مليون عام 2014، وقال عضو مجلس مدينة بروكلين (ديفيد جرينفيلد) أن اقترح هذا البرنامج لأنه كلما مشى في الشارع إصطدم بصناديق بيتزا وأكواب قهوة. وقال  "إذا أصبح لديك عدد كبير من الأفراد فسيكون لديك كم كبير من المخلفات." وهذا كان منطقًا سليمًا للتعامل مع مصادر الإزعاج التي طالما ضايقت العديد من سكان نيويورك.

الرابط مصدر المقال

 Hussein Kamal

Hussein Kamal

مترجمين المقال