أزمة النفايات في مصر

النفايات التي تنتجها البيوت والشركات في مصر تراكمت لسنوات مما أدى إلى مناظر سيئة ووجود مخاطر صحية كبيرة.

أثناء المشي في شوارع القاهرة والإسكندرية لا يمكن لأحد أن لا يلحظ أكوام القمامة المتكدسة في كل ركن و في كل شارع و حتى في المناطق الراقية.

فعلى ما يبدو أنه ليس هناك حل لمشكلة القمامة والتي قد أصبحت جزء طبيعي من حياة الناس في مصر، ويحذر علماء البيئة من أن المشكلة أكبر من مجرد جمع القمامة حيث تتعلق أيضا بسلوك الأفراد ومدى الوعي البيئي لديهم، كما يحذر الأطباء من مخاطر صحية محتملة.

في الأفلام القديمة- التي قامت بتصوير شوارع القاهرة بين عامي 1930 و 1940- نرى الرجال في بذلاتهم المنسقة والنساء في ثيابهن الأنيقة يتنزهون في شوارع القاهرة التي لا يمكنناإلا أن نلاحظ نظافتها الشديدة على الرغم من أن تلك الأفلام كانت بالأبيض والأسود فقط.

تلك المشاهد المأخوذة منذ أكثر من نصف قرن صَورت أماكن كميدان التحرير، ومنطقة السيدة زينب، والقلعة حيث يصعب على المُشَاهِد أن يرى قطعة واحدة من القمامة على الأرض، الامر الذي يجعل المرء يتساءل، ما الذي أدى إلى قلب المشهد تماما اليوم؟

فيما بين عامي 1950 و1990 لم تتغير طريقة جمع القمامة، فكانت تجمع عن طريق عمال مهاجرين من الريف يسكنون في أحياء شمال القاهرة في منطقة تعرف باسم (حي الزبالين) والتي سميت بهذا الاسم بعدما سكنها جامعوا القمامة.

وطبقا لبحث أجرته الجامعة الأمريكية بالقاهرة في عام 2009 فإن عدد السكان في (حي الزبالين) يقع مابين 50,000 إلى 80,000 شخص يعمل منهم 30,000 شخص في قرية للقمامةواقعة في حي المقطمو بالطبع الأجيال المختلفة من سكان تلك القرية عملوا في إعادة تدوير القمامة التي تم تجميعها من أحياء القاهرة.

فيقول أميرعادل (60 عاما)-أحد عمال جمع القمامة-"لقد عمل جدي ووالدي قبلي كجامعين للقمامة و تحديدا في منطقة هليوبوليس ومدينة نصر " ويكمل "في التسعينيات كان والدي يركب عربة يجرها الحمار و يمر كل صباح بعشرين أو ثلاثين مبنى سكني لجمع القمامة من كل شقة ويحصل في المقابل على جنيهان من كل شقة، ثم يُحضرها إلى القرية هنا فيقوم العمال بفرزها وتصنيفها حسب المواد المصنوعة منها إلى بلاستيك و زجاج وأوراق لجعلها جاهزة ليتم بيعها لشركات تدوير القمامة، فتذهب القمامة الصلبة إلى شركات التدوير والبقية تستخدم كمخلفات عضوية لإطعام الخنازير".


وقد توفي والد أمير عام 1997 بعامينفقط قبل أن تبدأ الحكومة المصرية بتوكيل مهمة جمع القمامة لشركات محلية ودولية، وعللت وزارة البيئة ذلك بأن بأن التغيير كان مطلوبا لتوسيع نطاق الخدمات و خصوصا مع تزايد أعداد السكان.


ويذكر حسين خليل (70 عاما) - أحد ساكني منطقة العجوزة في القاهرة - كيف رحب الناس بقرار الحكومة فيقول"كان الناس متضايقون من رؤية العربات التي تجرها الحمير في مناطق كالدقي و هليوبولس " وعقبقائلاً"لقد ارادوا أن يروا تغييرا".


وفي عام 2003 تعاقدت الحكومة مع شركات أجنبية لتولي مسؤولية جمع القمامة في العاصمة القاهرة،فأصبحت القمامة تجمع من الشقق السكنية من قِبل حارس المبنى ثم توضع في صناديق ضخمة أمام المبنى حيث تجمع لاحقا في شاحنات تجميع القمامة المخصصة لذلك.
التغيير الذي أجبر سكان المدن على دفع بضع جنيهات إضافية على فاتورة الكهرباء الشهرية تختلف من ثلاث إلى تسع جنيهات حسب المنطقة ، لينتهي بذلك عهد جامعي القمامة-الأفراد- الذين كانوا يطرقون الأبواب للحصول على جنيهان أو ثلاثة من كل شقة.


و لاحقا تسببت تلك الجنيهات الإضافية في إحداث موجة من الغضب، فامتنع بعض الناس عن الدفع ورفع البعض دعاوى قضائية في المحاكم ضد الحكومة.


وقد قُبلَت الدعوى القضائية على حد قول السيد حسين خليل،فاستنادا للدستور لا يمكن للحكومة أن تجبر المواطنين على دفع مقابل لجمع القمامة مع فاتورة الكهرباء.
ولكن بعد ذلك بعدة سنوات وافق مجلس الشعب على قانون يسمح للحكومة بإضافة قيمة خدمة جمع القمامة على فاتورة الكهرباء،ومع ذلك فالشعب مازال معارضا لهذا القانون.


فيتذكر السيد خليل قول صديقا له- يمتلك متجرا للتحف والنجف –"اسْتَخدِم الكثير من الإضاءة هنا ولهذا السب أدفع فاتورة كهرباء كبيرة ولكن ليس لدي مخلفات تذكر فلماذا على أن أدفعضريبة جمعها مضافة إلى الفاتورة؟ "


ظل القلق متصاعدا على الرغم من قيام الحكومة بجهود كبيرة للاتفاق مع جامعي القمامة من (حي الزبالين) لتشغيلهم، مع رواتب شهرية تدفعها شركات جمع النفايات الجديدة،فقد استمرت الشكاوى من جامعي القمامة وسكان القاهرة فيقول عادل امير –أحد جامعي القمامة-"الشركات الأجنبية لم توفر لنا صناديق قمامة بما يكفي لتغطية كل المناطق كما أن شاحنات الجمع لم تتم صيانتها منذ سنوات".


بل وقد أوضحت دراسة أجرتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة أن منطقة حي الزبالين كانت تقوم بتدوير مايقرب من 85% من كمية القمامة التي تُجمع من القاهرة بينما تقوم الشركات بتدوير 20% فقط من الكمية التي تقدر بعشرة أطنان يوميا في القاهرة وحدها.


كما حذر البنك الدولي–في تقرير نشر عام2011–من أن مصر تفقد ما بين 0,4 إلى 0,6 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي بسبب عدم كفاءة سياساتها في التعامل مع النفايات الصلبة، وأيضا لأنه فقط نسبة 60% من النفايات الموجودة فعليا في القاهرة يتم تجميعها.
وتشير أرقام غير رسمية إلى أن منطقة الزبالين ما تزال تجمع ما يقرب من 8000 طن سنويا- و هوأكثر من نصف الإنتاج اليومي –بينما الشركات تجمع 3000 طن فقط تاركة ال6000 طن المتبقية في الشوارع .


ويتم بعد ذلك تدوير القمامة ولكن فقط في القاهرة والإسكندرية بينما نفايات المحافظات الأقل حظا والنفايات الملقاة في شوارع القاهرةوالإسكندرية يتم إلقاؤها في الصحراء في مكبات النفايات الستة الكبيرة التي تديرها الحكومةأو ربما يتم إلقاؤها في النيل والقنوات الصغيرة مما يسبب أضرار صحية بالغة.


وعلى الرغم من امتلاك الشركات الخاصة مكباتها الخاصة، فكمية قليلة فقط من النفايات هي التي تقوم بتدويرها، في نفس الوقت الذي يقوم فيه جامعي القمامة من حي الزبالين بالاستمرار في العمل الذي ورثوه عن آباءهم حتى و إن لم يعد بإمكانهم أن يعملوا بنفس الحرية التي كانوا عليها قبلا.


 واعترف بعضهم-أفراد حي الزبالين- بأنهم قاموا بدفع رشوة للمجالس المحلية فلا تقوم الشاحنات بجمع كل القمامةويفسر عادل –أحد جامعي القمامة الأفراد- بأن ذلك لتترك لهم ما يجمعوه،ويضيف "الشركات لم تكن بالكفاءة التي كان يأملها الناس".
فالآن يشعر عمال حي الزبالين بعدم الرضا بسبب قيود الحكومة على عملهم، خصوصا وقد تم منعنهم من جمع النفايات العضوية بعد قررات ذبح الخنازير التي امتلكوها أثناء محاولات منع انتشار أنفلوانزا الخنازيرعام 2009.


و الشركات الخاصة لاتمتلك مكبات تكفي لجمع النفايات، وإن وجدتفبعض سكان القاهرة يمانعون إلقاء نفاياتهم في تلك المكبات لأنهم اعتادوا على أن يأتي (الزبالين)ليطرقوا أبوابهم لجمع النفايات، فالحرب مندلعة بين الزبالين والشركات الخاصة لجمع المخلفات حتى تمت سرقة مكبات النفايات.


وطبقا لمقال حديث نشر على موقع هفنغتون بوست الأمريكي فإن الإدارة المسؤولة عن النفايات بالحكومة لا يمكنها أن تكون الغالبة فالشركات لا تمتلك المكبات الكافية ولا حتى الزبالين يمكنهم الفوز، وبذلك ففي أي يوم من الأيام سوف تصبح أحياء معينةأرضا خالية من البشر ومكبا للنفايات،بسبب ما يحدث الآن وبسبب قيام بعض الأفراد بالبحث عما يمكن تدويره ثم يقومون ببيعه للزبالين تاركين وراءهم باقي المخلفات في الشوارع.

مؤخرا قالت وزيرة البيئة للصحافة المحلية أن الشركات الأجنبية لم تؤد عملها بشكل جيد حيث لم تكن منظمة ولا خبيرة فيما تفعل ولأجل هذا انهارت، كما وصفت الاتفاق مع الشركات الأجنبية بالكارثة، فمثلا  محافظة الجيزة قامت بسحب نفسها من العقد بينما لاتزال القاهرة حبيسة ذلك الاتفاق.


اليوم لا يستطيع أحد منا أن يسير في شوارع المدن الراقية من دون ملاحظة وجود أكوام من القمامة متكدسة في كل ركن، فعُمال جمع القمامة يبحثون في تلك الأكوام عن شئ له قيمة ثم يقومون بإلقاء البقية في الشارع مجددا، وتُصر السيدة اعتماد على(60 عاما)-أحد قاطني هليوبولس- على أن تجاهل العامة وموقفهم له دور كبير في المشكلة " فلا يهم ما تبذله الحكومة من جهد لتحسين الأمور فالناس لا يتعاونون "،ثم تضيف " بعد ثورة 25 يناير رأيت بعض الشباب يقومون بتنظيف الشوارع ولكن بعد شهرين كانت صناديق النفايات التي وضعوها قد سرقت وعادت النفايات إلى الشوارع مجددا".


دار السلام – والتي هي منطقة للطبقة العاملة- بعيدة كل البعد عن هليوبولس تمتلك نفس مشكلات القمامة،فالسكان وأصحاب المحلات على السواء مُجبرون على إلقاء قمامتهم على أرصفة الشوارع وفي جوانب الطرقات، فيقول أحد السكان "لقد سُرِقت حاويات النفايات الكبيرة التي وضعتها الحكومة ونفس الشئ يحدث في كل أنحاء القاهرة، فبالكاد تجمع النفايات الآن من قبل الجهات المسؤولة". ويقول مواطن من إمبابة "تجميع القمامة الآن يتم كل أسبوعين،فلك أن تتخيل المنظر المستفز للنفايات الملقاة من قبل السكان والمحلات وحتى المطاعم والتي تترك في الشوارع لأيام".


و يزعم مواطن آخر أن السبب في عدم جمع النفايات بشكل فعال هو أن السلطات المسؤولة قد تمت رشوتها من قبل المستفيدين من تجميع و بيع النفايات.

ومن جهة المخاطر البيئية فطبقا لتقرير اعدته منظمة التعاون الألماني في إبريل 2014 (أنه بالرغم من الجهود القومية والمحلية لمعالجة مشكلة النفايات الصلبة في مصر، فلاتزال طرق جمع النفايات و معالجتها تحمل مخاطر صحية و بيئية)، وطبقا لوزارة البيئة "فإن ذلك كان نتيجة لسوء الصيانة و قلة المصادر الموجودة لزيادة عددآلات جمع ومعالجة النفايات وتطويرها".


الآن الكثير من النفايات تلقى في الأنهار والقنوات والشوارع والذي أدى إلى انتشار واسع للتلوث، وطبقا لتقرير الوزارة فمعظم النفايات المنتجة محليا ينتهي بها الحال في الشوارع والمكبات العشوائية مما يؤدي لمخاطر صحية و بيئية كبيرة.
ويقول كمال خليل –وهو باحث في مجال البيئة في جامعة القاهرة"لطالما عانت القاهرة من مشكلة تلوث كبيرةفي الأساس بسبب عدم وجود نظام لمعالجة النفايات الصلبة وأيضا بسبب التصرفات العشوائية"،كما شدد على ضرورة التعاون بين الأحزاب المختلفة لإيجاد حلل، فالمشكلة لا يمكن أن تحل بدون إدخال المجتمع فيها وجعل أفراده على وعي بأهمية الموضوع.


أطلقت وزارة البيئة في ديسمبر عام 2013 حملة قومية لتحسين نظم التحكم في المخلفات الصلبة عن طريق التركيز على تطوير نظم جمع ونقل وإعادة تدوير المخلفات.


وكان في عام 2012 قد تم إجراء تشغيل تجريبي لمشروع وحدات المرصد البيئي في ثمانية أحياء كبيرة في القاهرة، وطبقا للجمعية الألمانية للتعاون الدولي-المسؤولة عن الموضوع- فإنه قد جاء ثمرة للتعاون بين وزارة الاتصالات ومحافظة القاهرة.
المشروع الذي يستخدم تكنولوجيا المعلومات لرصد أداء الشركات للتحكم في النفايات، ويعكس اهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات في كل أجهزة الدولة لتحسين الاداء، وطبقا للمنظمة الألمانية فقد كان هدف المشروع الأساسي هو إنشاء نظام سليم للتحكم في شركات إدارة النفايات وأيضا ربط الشركات بوحدات المرصد البيئي.


ومن جهة أخرى قامت وزارة الشؤون البيئية بإنشاء مشروع شراكة بين القطاعين العام والخاص لتسهيل العمل بالمشروعات البيئية الكبيرة والتي ستنفذ مع القطاع الخاص، فيقول وزير البيئة في بيان للصحافة أن مشروع الشراكة هذا سوف يعمل وفقا لسياسات الدولة لدعم الشراكة مع القطاع الخاص وأيضا لتفعيل مادة القانون رقم 67 لسنة 2010 والتي تنظم شراكة القطاع الخاص في فيما يخص مشروعات الدولة التنموية.


فيما يعتقد السيد خليل أن الجهود المبذولة يجب أن تُركزأكثرعلى مشاركة المجتمع، وما يمكن ان يفعله العامة للمساعدة في إدارة المخلفات، وقد قامت المنظمة الألمانية بعمل تقرير تُلخص فيه المناطق التي ستحدث مشاركة المواطنين فيها فرقا.


فتتضمن المشاركة إدارة المخلفات في المنزل أولاً وإزالتها من المباني السكنية، وأيضا التقليل من إنتاج النفايات عن طريق إعادة الاستخدام، بالإضافة إلى تسهيل عملية إعادة التدوير عن طريق الفصل الأولي للمستهلكات في المنزل، والحفاظ على الاماكن العامة نظيفة وأيضا مساعدة المشروعات المحلية مما سوف يسمح باتخاذ قررات عقلانية بشأن مواقع أو طرق التخلص المناسبة، ودعم تغيرات القيمة في الصناعة و لدى الحكومة والمواطنين مما يؤثر على مشاكل النفايات الصلبة.


وفي النهاية نقول أن مصر لديها الكثير من الكنوزالكامنة والنفايات هي إحداها فيرى السيد خليل أن النفايات يمكن تحويلها من شئ يهدد البيئة لشئ آخر يمكن اعتباره كنز ولكن عن طريق استخدام جهود المواطنين والدولة.

الرابط مصدر المقال

زينة باز

زينة باز

مترجمين المقال