هل يستحق إعادة التدوير كل هذا العناء؟

هل يستحق إعادة التدوير كل هذا العناء؟!
  إن (جاستن راميرز) شاب حريص على إعادة تدوير النفايات. و هذا الشاب البالغ من العمر ثلاثة وعشرين عامًا و الذي يقطن مدينة نيويورك الأمريكية، يقول أنه يبذل المجهود الإضافي اللازم لتصنيف النفايات بهدف تقليل كمية القمامة التي ينتهي بها المطاف في مدافن القمامة، وأيضًا من أجل الحفاظ على الموارد.  ويضيف جاستن قائلًا " أنا لا أشعر بالتقدم الذي أحققه ولكنني أشعر بحالِ أفضل عندما أؤدي دوري."

   أما فيما يخص الشاب (إيدي راميرز) شقيق جاستين فإن لديه شعور مختلف تجاه قضية إعادة التدوير؛ يقول إيدي " أنا لست مُعاديًا لإعادة التدوير، أنا فقط أشعر أن المسألة تعتمد على ما يرتاح إليه المرء."
قد يُلقي إيدي بشيءٍ ما في سلة إعادة التدوير إذا صادف واحدة منهن، ولكنه قال إنه قد وصلته معلومة فحواها أن 5% فقط من النفايات الصادرة على مستوى البلاد  تأتي من المنازل التي يقطُنها الأفراد، والنسبة الباقية تأتي من المؤسسات الصناعية مما يعطيه شعورًا بأن التأثير الذي يُحدثه ليس بالتأثير الكبير.

  من الشائع اعتناق أي من وجهتا النظر المذكورتان آنفًا، ولا تزال قضية إعادة التدوير موضع جدل ونقاش منذ عقود، حيث يدّعي المعارضون لإعادة التدوير أن هناك مبالغة شديدة في مدى تأثير هذه العملية، في حين يدّعي مناصرو إعادة التدوير أن هذه القضية تمثل أهمية كبيرة لبيئتنا،
 
ولكن في النهاية، يظل السؤال : هل المجهود الإضافي المبذول من أجل تصنيف النفايات وفصل الزجاج عن البلاستيك يستحق كل هذا العناء؟
   إن الإحصائية التي أشار إليها (إيدي) والمتعلقة بكون 5% فقط من النفايات تأتي من المنازل؛ هي إحصائية حقيقية أجراها خبراء في هذا المجال، فإن الأغلبية الساحقة للنفايات الصادرة سنويًا على مستوى البلاد هي نفايات صناعية مما يترك للأفراد تأثيرًا محدودًا على التدفق العام للنفايات.

"إن إعادة التدوير هي بالفعل عملية إعادة تدوير للنفايات ولكنها لا تنقذ الكوكب" 
هذا ما قالته (سامنثا ماكبريدج) الأستاذ المساعد في كلية باروخ بمدينة نيويورك وكاتبة كتاب " إعادة التفكير في إعادة التدوير."
 لذلك، ليس من الغريب أن تنشر المؤسسة الأعلامية الأمريكية " ذا أونيون" في عام  1997 مقالًا تحت عنوان "وكالة حماية البيئة الأمريكية: إعادة التدوير قضت على أكثر من 50 مليون طن من الشعور بالذنب عام 1996. "
 
  رغم كل ذلك، يستمر الأمريكيون في إعادة تدوير نفاياتهم، حيث إن 85 طن من النفايات القادمة من المنازل، قد تم تحويلها بعيدًا عن مدافن القمامة؛ وذلك من أصل (250) مليون طن من النفايات الصادرة عن المنازل عام 2010، ويعد هذا المعدل (85 طن) أعلى من أي معدل سابق وفقًا للوكالة الأمريكية لحماية البيئة، ويعد تحويل هذا الكم من النفايات بعيدًا عن مدافن القمامة أمرًا مهمًا للغاية من أجل البيئة.

  يقول نائب المفوّض لإعادة التدوير والاستدامة: " على قاطني مدينة نيويورك أن يفهموا أن إعادة التدوير ليست مهمة للبيئة فقط ولكنها مهمة أيضًا لطباعة كتبهم ذات الحجم الصغير وأغلفتها."

يعمل جونين في مدينة يُعرف سكانها بأنهم كسالى فيما يخص إعادة التدوير حيث إن 15% فقط من النفايات الصادرة عن المدينة، هي التي يتم تحويلها بعيدًا عن مدافن القمامة،
 وذلك مقارنة بما يقرُب من 34%  على مستوى البلاد ( الولايات المتحدة الأمريكية ) ولكن نائب المفوّض لإعادة التدوير والاستدامة السيد جونين-قال إن تنفيذ برامج جديدة في نيويورك خلال العام الماضي فقط، قد ساهم في زيادة معدل تحويل النفايات بعيدًا عن مدافن القمامة بنسبة مئوية بسيطة، مما أدى إلى توفير ما يقرُب من (30) مليون دولار في السنة وذلك وفقًا لما قاله جونين. ولكن الهدف هو رفع هذا المعدل ليُصبح 30% بحلول عام 2017 مما سيوفّر حوالي 60 مليون دولار سنويًا للمدينة.

لقياس مميزات وعيوب إعادة التدوير، يجب إدراك أن تكلفة عملية إعادة التدوير وكفاءتها تختلف من مادة لأُخرى:
   وفقًا لبيانات الوكالة الأمريكية لحماية البيئة عام 2010، إن بطاريات السيارات هي أكثر المواد التي يُعاد تصنيعها بالفعل ويليها الورق، حيث إنه في عام 2010 أُعيد استخدام 96% من بطاريات السيارات الملقاة في القمامة، أما فيما يخص الورق، فقد أُعيد تدوير ما يقرُب من 72% منه، أما المادة الأقل قابلية للإذابة و إعادة الاستخدام فهي مادة البلاستيك حيث إن معدل إعادة تدوير الزجاجات والبرطمانات المصنوعة من البلاستيك من نوع بولي إيثيلين تيرفثالات او ما يُعرف بPET  بلغ 29.2%  وبلغ معدل إعادة تدوير الزجاجات الشفافة 27,5%.
بالنسبة لمدينة نيويورك، الورق هو أسهل المواد التي يٌمكن إعادة تدويرها. 

  إن شركة صناعات برات (Pratt Industries)  التي تدير مصنع ورق على أرض تبلغ مساحتها 40 فدانًا، في جزيرة ستاتن التابعة لمقاطعة نيويورك تُدر ربحاً من خلال إعادة تدوير الورق، ويستغرق تحويل الورق الذي تلقيه شاحنات النظافة إلى علبة بيتزا  حوالي 12 ساعة وهي عملية  يقول عنها (هانك ليفين) المدير العام لقسم إعادة التدوير  أنها إلى حد ما بسيطة.
 وتعمل شركة (برات) أيضًا في إعادة تصنيع الورق وبيعه إلى عملاء مثل شركة هوم ديبوت (Home Depot)، ويضيف جونين أن هذا يُدر ربحًا للمدينة؛
حيث تجني مدينة نيويورك 10دولار لكل طن ورق يُعاد تدويره، مما يعني أننا نوفّر حوالي 86 دولار لكل طن  نفايات لا نطرحه في مقالب القمامة، ونجني على الأقل 10 دولار لكل طن.

  تمر شاحنات النظافة كل يوم على مصنع الورق بعد انتهاء دورتها؛ لتلقي ما جمعته من ورق في مكان يُدعى "الحفرة" حيث يُطحن الورق باستخدام الماء الساخن التي تبلغ درجة حرارته 360 فهرنهايت والنشا، بعد ذلك، تعمل الآلات على التخلص من أي ملوثات من خلال آلة فرز حيث يُستخرج 5 طن من البلاستيك يوميًا.
في الكثير من الحالات، تشير الشركات الخاصة إلى أن مراعاة البيئة ليس أكثر تكلفة!!
ويقول براين ويلسون مدير العمليات في شركة ستار بيتزا بوكسز(Star Pizza Boxes)  أنهم يتعاملون مع شركة برات المذكورة آنفًا، حيث صادف أن لديهم برنامج مناسب لهم كما أن موقعها في جزيرة ستاتن يساعدهم على جعل تكلفة الشحن أقل.

 إن صداقة البيئة هي ميزة لا أكثر.
حيث أضاف ويلسون قائلًا:"يعتمد سوق البيتزا على الأسعار ونحن نُقدم أحسن الأسعار، ليس الجميع على وعي بقضايا البيئة ووضع هذه النقطة في الحسبان يُعد نقطة مفيدة في البيع."
 وأضاف أن شركته قد أنقذت  180982 شجرة من القطع عام 2012،

أما البلاستيك فهذا له قصة أُخرى.
  يُصنف البلاستيك إلى أنواع مختلفة باستخدام الأرقام من واحد إلى سبعة، وذلك على أساس نوع مركب البوليمر الذي يحتويه كل نوع، ولكن ليس بالضرورة أن يُعاد تدوير المواد البلاستيكية التي تحمل الرقم نفسه معًا، فلا يمكن إعادة تدوير صينية تحمل الرقم واحد الذي يشير لمركب البوليمر من النوع PET، مع زجاجة تحمل الرقم واحد، لأن كل نوع يحتاج لدرجة حرارة مختلفة لكي يذوب. ويتطلب تجميع المواد و تصنيفها تكلفة أكبر ولهذا السبب تعمل مدن كثيرة على تخفيض كمية البلاستيك التى تستهلكها.

   فمدينة نيويورك على سبيل المثال تستخدم الأباريق والزجاجات فقط، على الرغم من أن كلاهما يمكن إلقاؤه في السلة الخاصة بالمواد المصنوعة من الزجاج.
 ويقول المسئولون في المدينة أنهم يعملون مع المنظمين الأتحاديين لتغيير نظام الترقيم المُتبع ليصبح الأمر أكثر وضوحًا للسكان. حيث يقول جونين "تمثل حقائب التسوق المصنوعة من البلاستيك تحدٍ كبير لنا، وكذلك الأكواب والأطباق المصنوعة من الرغاوي، حيث لا تتوفر لدينا التكنولوجيا اللازمة لفصلها عن النفايات أو عن مسار إعادة التدوير."

  إن صناعات المشروبات والزجاجات البلاستيكية ليست متعاونة في هذا الصدد على الأطلاق.....
  حيث صرحت (ماكبريدج) أنه لم يتغير شيء سوى أن إنتاج البلاستيك قد ازداد، وذلك عندما أشاعت هذه الشركات استخدام المياه المعبأة في التسعينات من القرن الماضي. وأضافت ماكبريدج "إذا ذهبت إلى أي مكان وأردت مياه فعليك أن تشتريها" وتضيف " لم يكن توفير هذه السلعة بدافع من المستهلكين, لقد كانت بالنسبة لشركات صناعة المشروبات مجرد فرصة تسويقية جديدة، إنه لأمر سخيف لأننا قبل أن نتمتع بهذا النظام العظيم, لم يكن عليك سوى استخدام الصنبور للحصول على كوب ماء."ربما ستكون البيئة أفضل حالًا بوجود كمية أقل من البلاستيك ولكن ماكبريدج تقول أنه ليس باستطاعة أحد أن يفعل الكثير حتى أكثر الأشخاص حبًا للأشجار و الأرض.
وتضيف ماكبريدج " يمكنك الاختيار أن تعيش هذه الحياة التي تتسم بالفضيلة الفائقة وتستهلك أقل كمية ممكنة من الموارد وهذا أمر صعب وأتحدى أي شخص أن يعيش يومًا واحدًا دون استخدام البلاستيك."

ولكن ماذا يحدُث لو امتلأت البلاد  بمواطنين مثاليين يعيدون تدوير كل شيء بشكل مثالي؟
 حسناً...فتعتمد إجابة هذا السؤال على الشخص الذي تسأله.
حيث ترد ماكبريدج قائلة "حتى لو كان كل من يعيش في أمريكا مثالي فيما يتعلق بإعادة تدوير كل شيء فإن ذلك لن يؤثر على التدفق الإجمالي للنفايات."

ولكن (جونين) رغم ذلك يقول أننا سنشعر باختلاف على المستوى المحلي على الأقل.
 وفقد أضاف جونين :" ستشهد بيئتنا اختلافًا ملحوظًا لأن هناك عدداً كبيراً من السكان في نيويورك وهنالك أيضًا كمية كبيرة من زائري المدينة، لذلك يمكننا إنقاذ عدد كبير من الأشجار وتوفير كمية كبيرة من النفط، وسنوفر بذلك أيضًا عشرات الملايين من الدولارات من تكاليف التخلص من النفايات."

والآن ما هو الحكم النهائي؟ 
  يتفق معظم الخبراء أن البلاد تعاني من مشاكل نفايات أكبر بكثير، ولا يمكن حلها بإعادة التدوير، ومع ذلك فإعادة التدوير ليست بالأمر السيء ومن المُرجّح أن تتحسن مع تقدم التكنولوجيا، ومن خلال طرق شتى، تساعد إعادة التدوير الشركات والحكومات على توفير المال على المدى البعيد. ورغم كل هذا التشكك الذي تشعر به (ماكبريدج) تجاه إعادة التدوير، فإنها ترى أنه لا ينبغي للناس أن يصيبهم الأحباط.
 وتقول ماكبريدج " أعتقد أنه لا ينبغي عندما يكون الشخص بالغ أن يفكر قائلاً 'حسناً، إعادة تدويري لا تحل المشكلة' لا يجب أن يصيبك اليأس من أجل ذلك. أنظر للأمر على أنه مجرد معلومة علمية، فالناس يصابون بالحزن عندما يسمعون هذه الإحصاءات، ويعتقدون أن عليهم أن يلقوا بكل شيء في صندوق القمامة. بالنسبة لي هذا رد فعل لطفل صغير وليس رد فعل إنسان بالغ."

الرابط مصدر المقال

Laila Younes

Laila Younes

مترجمين المقال