كيف يمكن لشاحنات القمامة أن تقودنا إلى مستقبل أخضر؟؟

  
  وضعت إدارة (بيل دي بلاسيو "عمدة نيويورك الحالي" أهدافًا واضحة وصارمة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والذي سيجعل المدينة رائدة عالميًا في معالجة تغير المناخ، ولكن لسوء الحظ يتم العمل على قرارات أخرى موازية ومناقضة والتي ستمنع إدارة المدينة من الوفاء بوعودها!!

    فقد أعلن عمدة نيويورك عن خططه -في أعقاب اتفاقية باريس للمناخ خلال العام المنصرم- بخفض الأنشطة الحكومية الخاصة بالمدينة المعتمدة على تلك الانبعاثات لنسبة تصل إلى (80%) بحلول عام (2050)، كما شمل وعد (دي بلاسيو) على تقليل انبعاثات عوادم وسائل النقل بالمدينة إلى نسبة(50%) بحلول عام (2025)، وستصل النسبة إلى (80%) في عام (2035). ومع أن خفض تلك الانبعاثات بمقدار النصف خلال عقد واحد يتطلب إجراءات فورية مشتركة، إلّا أنّ وزارة الصرف الصحي "وهي الجهة الأكثر استهلاكًا للوقود والانبعاثات الغازية بالمدنية"  تخطط لشراء (340) شاحنة نفايات جديدة هذا العام، منهم على الأقل (300) شاحنة تدار بوساطة محركات الديزل، والذي من شأنه أن يحصرنا في دائرة انبعاثات عالية لغازات الديزل خلال سنوات الخدمة السبع لهذه الشحنات، والذي سيجعل من أهداف عام (2025) صعبة المنال.

  وعلى الجانب الآخر حققت المدينة تقدمًا على مسار تحقيق الأهداف من خلال خفض انبعاثات وسائل النقل بنسبة (11%) عن طريق تشغيل أكثر من نصف مركباتها -على الأقل- جزئيًا على وقود غير بترولي. وبالفعل يشهد سكان نيويورك المزيد من حافلات نقل ركاب هجينة -أي تعمل بنظامي حرق مختلفين- أوالكهربية ومركبات الجهد الخفيف في المدينة.

  
شاحنات الديزل!!
  ولكن على الجانب الآخر لم تقم المدينة بشيء يذكر بخصوص المركبات والشاحنات الثقيلة والتي تمثل المصدر الأكبر من انبعاثات وسائل النقل، مع أن ال(5200) شاحنة ديزل ثقيلة لاتمثلغير فقط خُمس وسائل النقل، ولكن على الرغم من ذلك يصدر عنها (60%) من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ولأن هذه الشحنات تحتاج إلى طاقة وعزم أكثر من وسائل النقل الأخرى؛ فإن خيارات الوقود البديلة محدودة...ومع أنّ المدينة تُلزم بخلط وقود الديزل بوقود ديزل حيوي بنسبة تتراوح بين 5% إلى 20%، إلّا أنّ هذا الإلزام أيضًا لن يصل بإدارة (دي بلاسيو) إلى تحقيق أمالها.

  ولكن في الحقيقة يوجد بديل وقودي والذي يمكنه أن يحقق تلك الأمال وهو (الغاز الطبيعي المستدام - renewable natural gas)...كيميائيًا هذه المادة متطابقة تقريبًا مع الغاز الطبيعي العادي، وبالتالي الشاحنات والحافلات التي تعمل بمحركات الغاز الطبيعي يمكنها أيضًا أن تعمل بالغاز الطبيعي المستدام. فهذا الغاز لا يعتبر وقود حفري مثل (الغاز الصخري - shale gas)؛ وذلك لأنه متجدد؛ حيث أنه مصنوع من (الغاز الحيوي–biogases) المنبعث من تحلل النفايات العضوية كمياه الصرف الصحي وبقايا الطعام، وكلاهما تملكه مدينة نيويورك بوفرة.

    ووفقًا لـ(مجلس موارد الهواء بكالفورنيا - the California Air Resources Board): "الغاز الطبيعي المستدام يعتبر أقل مصادر الوقود المحتوية على كربون حاليًا"
ليس هذا فحسب وإنما في الواقع -بينما تمثل بقايا الطعام المصدر الرئيسي للغاز- يمكن للغاز أن يصبح خالي تمامًا من الكربون أو حتى مُخَلِص من الكربون على مدار دورة حياته؛ حيث أنه يلتقط غازات الاحتباس الحراري الأخطر كالميثان -الناتج من تحلل المواد العضوية-، ويمنعهم من الهروب إلى الجو عن طريق حرقهم معه كوقود.

كلا يا صديقي، فهذه ليست أحلام يقظة أو ما شابه فهذا يحدث الآن......

    مدن مثل (ساكرامينتو، جنوب سان فرانسيسكو، كاليفورنيا، غراند جانكشن و أخيرا كولورادو) جميعهم ينتجون الغاز الطبيعي المستدام من مصادر نفاياتهم الخاصة ويستخدمونها في تدوير شاحنات جمع النفايات، بالإضافة إلى مركبات البلدية الأخرى...كما أُلزم أيضًا باستخدام هذا الغاز في تدوير حافلات النقل بمدينتي (كولفر وسانتا مونيكا) بمقاطعة (أورنج) جنوب (كاليفورينا). بالإضافة لذلك قامت مدينة (سانتا مونيكا) بطلب (100) موتور يدور بمحركات الغاز الطبيعي لأسطول حافلاتها،
 وقد تمّ مؤخرًا اعتمادًا كل من: (وكالة حماية البيئة ومجلس موارد الهواء بكالفورنيا) بأن مثل تلك المحركات تقوم تدريجيًا بخفض غازات الاحتباس الحراري والمنتجات الكيميائية المنتجة للضباب الدخاني -هو مزيج من الضباب والدخان ويلاحظ بكثيرة فوق المدن الصناعية وعواصم الدول المكتظة-.

    كما تدعو هيئة المترو بمقاطعة (لوس أنجيلوس) للتبرع ليستطيعوا تدوير كامل أسطول حافلاتهم بالغاز الطبيعي المستدام...وبالنسبة لجهات الخاصة فقد أنضمت كل من شركتي (UPS and Ryder) إلى المسار ذاته باتجهاهم إلى الغاز المستدام لتشغيل شاحناتهم.

  نيويورك أيضًا يمكنها أن تتحرك معهم على نفس المسار، حيث أن سكان المدينة ينتجون (2 مليون) طن تقريبًا من النفايات العضوية سنويًا -والتي تعادل تقريبا 30% من كل نفايات المدينة-، وهذا المصدر يمكن أن يوفر وحده أكثر من الوقود المطلوب لتدوير أسطول شاحنات النقل الثقيل الخاص بالمدينة بأكلمه، كما أن ذلك سيساعد في تحقيق هدفًا آخر وهو (القضاء على النفايات) من خلال تحويل النفايات العضوية من مقالب القمامة.

    كما يتزايد حاليًا إنتاج الغاز عن طريق ما يسمى ب(الهضم اللاهوائي - anaerobic digesters)؛

  وهو تحليل النفايات في غياب الأكسجين، كما يجري تطوير عمليات الهضم في محطة (Newtown Creek) لمياه الصرف الصحي في بروكلين وفي منشأة الطاقة العضوية الأمريكية في (لونغ آيلاند)...تمتلك (نيويورك) الآن مايكفي من محطات إعادة التزويد بالوقود، ومع ذلك يوجد الكثير من الشركات المتطلعة للاستثمار في المزيد من تلك المحطات. وبالفعل وزارة الصرف الصحي لديها (42) شاحنة لجمع القمامة ولحرث الثلوج والتي بالفعل تعمل بالغاز منذ سنوات...

  في الحقيقة تعتبر هذه الوزارة هي أول وزارة صرف صحي في البلد تشتري هذا النوع من الشاحنات، بالإضافة إلى كونها رائدة في استخدام وسائل تكنولوجية متقدمة أخرى...ومن الواجب على المدينة أن تظهر تلك الريادة مرة أخرى بشرائها حافلات أكثر تعمل بالغاز المستدام بدلًا من الديزل. وسيطلب تجهيز (2100) شاحنة في أسطول الوكالة، تعمل بمحركات الغاز المستدام، تكلفة مايقرب من (100) مليون دولار أكثر من شراء مثيلتها من الديزل، قد يبدو هذا كبيرًا، ولكن هذا يعتبر أقل 2% من ال(6) مليارات دولار التي اقترحتهم المدينة لتحقيق أهدافها بتكوين أسطول من الشاحانات الصديقة للبيئة على مدار ال(20) عامًا القادمة، والذي من شأنه أن يخفض من عوادم أسطول الصرف الصحي بنسبة (80%) أو أكثر، وأن يخفض من عوادم المدينة بأكملها بمقدار الربع تقريبًا.


فأخيرًا إذا قامت وزارة الصرف الصحي وباقي الجهات بمضاعفة استخدام الديزل؛ ستفوت نيويورك فرصة حاسمة لتحقيق أهداف عمدتها البيئية المستقبلية، ولكن إذا استثمرت في الحاضر ستكون أكبر مدينة بالعالم قادرة على أن تصبح خضراء.

الرابط مصدر المقال

محمود الدعوشي

محمود الدعوشي

مترجمين المقال