اعرف المزيد عن عصر إعادة التدوير

إذا كنت تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية فمن المحتمل أن تقوم ببعض أشكال إعادة التدوير
فمن المرجح أن تفصل الورق عن البلاستيك والزجاج عن المعدن فتقوم بشطف الزجاجات والعلب وقد تضع بقايا الطعام فى صندوق مُخصص للسماد العضوي، لأنك تضع كل شيء في الصناديق المناسبة فقد تفترض أن إعادة التدوير يخدم مجتمعك ويحمي بيئتك ولكن هل هي كذلك ؟ أم في الواقع هي تضييع لوقتك؟
في عام 1996كتبت مقال طويل في صحيفة نيويورك تايمز مُحتجاً على أن عملية إعادة التدوير برغم تنفيذها فهي إهدار من خلال تقديم العديد من الأدلة التي تثبت أنها مكلفة وغير فعالة ولكن قال المدافعون عنها أنه ليس من العدل التسرع في الحكم مشيرين إلى أن الحركة الحديثة لإعادة التدوير قد بدأت قبل بضع سنوات فقط وتوقعوا أنها سوف تزدهر كما ازدهرت الصناعة وتعلم العامة كيفية إعادة التدوير بالشكل الصحيح.
ماذا حدث منذ ذلك الحين؟ في حين أن رسالة إعادة التدوير قد وصلت إلى اكبر عدد من الناس أكثر من أي وقت قد مضى فعندما نأتي لخلاصة الموضوع نجد انه لم يتغير الكثير على الإطلاق فى الناحيتين البيئية والاقتصادية.

فعلى الرغم من عقود من النصح والإرشاد فإنها لا تزال بشكل نمطي أكثر تكلفة لمجالس البلديات لإعادة تدوير النفايات المنزلية من إرسالها لمقلب القمامة فأسعار المواد الخام القابلة لإعادة التصنيع قد تراجعت بسبب انخفاض سعر النفط وقلة الطلب عليه من الخارج. لقد أجبر الركود بعض شركات إعادة التصنيع إلى الغلق وإلغاء كافة الخطط التكنولوجية الجديدة.

الأجواء قاتمة حتى قامت شركة مخضرمة بمحاولة تشجيع زملائها هذا الصيف بواسطة مقال في صحيفة تجارية تحت عنوان"إعادة التدوير ليس ميتاً ".

في حين أن السياسيون قد وضعوا أهدافاً أسمى وأعلى، ركد المعدل العالمي لإعادة التدوير في السنوات الأخيرة، إنها شائعة في الدول الغنية المجاورة مثل بارك سلوب في بروكلين ومدن مثل سان فرانسيسكو ولكن سكان بعض الدول مثل برونكس وهوستن لا يملكون نفس الشغف لفرز القمامة في وقت فراغهم.

بينما تجاهلت مدن إعادة تصنيع الورق والمعادن والزجاج وبقايا الطعام والبلاستيك المتنوع مع ارتفاع الأسعار الشديد وانخفاض الفوائد البيئية وتلاشيها أحياناً.

"إذا كنت تعتقد أن إعادة التدوير في صالح الكوكب وأننا نحتاج إلى الاعتماد عليه أكثر، إذن هناك أزمة يجب أن تواجه" وذلك طبقاً لما قاله ديفيد بى. شتينر الرئيس التنفيذي لإدارة النفايات أكبر مصنع إعادة تدوير للقمامة المنزلية في الولايات المتحدة. "محاولة تحويل القمامة إلى ذهب تكلف أكثر مما يمكن توقعه" فنحن نحتاج أن نسأل أنفسنا. ما المغزى هنا؟

لقد تطورت إعادة التدوير بشكل كبير كهدف: فهي سلعة عامة غير ملوثة وفضيلة خاصة يتم تلقينها لطلاب كليات رياض الأطفال وبالتالي الدارسون والمطٌلعون بطريقة أو أخرى لا يملكون أدنى فكرة عن التكاليف والفوائد النسبية، فربما لا يعرفون فعلى سبيل المثال، أن للحد من انبعاثات الكربون، عليك إنجاز أكثر من ذلك بكثير عن طريق فرز الورق وعلب الألومنيوم عن علب الزبادي ونصف شرائح البيتزا المتبقية فأيضاً يفترض معظم الناس أن الزجاجات البلاستيكية المعاد تصنيعها يجب أن تقدم الكثير للكوكب، ولقد تم تشجيعهم من قبل وكالة حماية البيئة التي تطمئن الجمهور أن إعادة تدوير البلاستيك ينتج عنه أقل نسبة من الكربون فى الهواء.

ولكن إلى أي مدى تٌحدث اختلاف؟ تلك بعض وجهات النظر: لتعويض تأثير الغازات الدفيئة لرحلة جوية لراكب واحد ذهاباً وإياباً بين نيويورك ولندن، سوف تضطر إلى إعادة تدوير حوالي 40 ألفاً من الزجاجات البلاستيكية على افتراض انك تسافر بالدرجة الاقتصادية أما إذا كانت درجة أولى أو درجة رجال الأعمال حيث يستهلك كل راكب أكثر من 100 ألف تقريباً.

وقد تكون حتى تلك الإحصاءات مضللة. أرشدت نيويورك وبعض المدن مواطنيهم بشطف الزجاجات قبل وضعهم في سلة المهملات ولكن منظمة حماية البيئة لم تضع في حسبانها الماء، ذلك الإغفال الوحيد قد يُحدث اختلاف كبير وفقاً لما قاله كريس جودال مؤلف" كيف تعيش حياة أقل كربوناً" حيث ظن السيد جودال أنه إذا قمت بغسل البلاستيك بالماء الذي يسخن بواسطة الكهرباء المستمدة من الفحم فإن التأثير الصافي لإعادة التدوير الخاص بك قد يسبب نسبة من الكربون أكثر في الهواء.

فبالنسبة للعديد من المؤسسات العامة، إعادة التدوير هي مسألة أخلاقية وليست تحليل التكلفة والعادة حيث أعلن عمدة بيل دي بلاسيو أنه بحلول عام 2030 لن يعد هناك مقالب للقمامة بالمدينة. "فهي طريق المستقبل إذا أردنا إنقاذ الأرض" موضحاً ذلك مع الإعلان عن انضمام سان فرانسيسكو وسياتل وبعض المدن في التحرك نحو "سياسة التخلص نهائياً من النفايات" التي سوف تتطلب مستوي غير مسبوق من إعادة التدوير.

ارتفع المعدل القومي لإعادة التدوير خلال التسعينات من القرن الماضي إلى 25% لبلوغ الهدف المحدد من قبل منظمة حماية البيئة وقدم السيد وتنسون بورتر المشورة لمسئولي الولايات أن نسبة لا تتجاوز  35%  تقريباً من القمامة المحلية هي التي استحقت إعادة التدوير ولكن تجاهله البعض محددين هدفهم إلى 50%، وأكثر فمعظم تلك الأهداف لم تتحقق أبداً لقد أصبح المعدل الوطني عالقاً إلى ما يقرب من 34% في السنوات الأخيرة.

"من المنطقي إعادة تصنيع الورق المقوي التجاري وبعض الورق ونخبة من المعادن والبلاستيك"، وتنسون بورتر"، ولكن نادراً ما يكون للمعادن الأخرى أهمية بما في ذلك بقايا الطعام وبعض والسماد الأخرى فهدف التخلص نهائياً من النفايات غير منطقي على الإطلاق ذو تكلفة مرتفعة ومنافع بيئية تقريباً لا تُذكر".

واحدة من أهداف حركة إعادة التدوير كانت لتجنب الأزمة المفروضة بسبب امتلاء مقالب القمامة المحلية ولكن الخوف المُلهم من وسائل الإعلام غير حقيقي بالمرة في دولة ذات مساحة كبيرة. وجدتُ في تقرير كُتب في مقال عام 1996 أن كل القمامة الناتجة عن مواطني أمريكا لألف سنة قادمة سوف تشغل 10% من مساحة الأراضي المخصصة للرعي وتلك المساحة الصغيرة من الأرض لن تُهدر للأبد لأن مقالب القمامة مُغطاة تماماً بالعشب وتحولت إلى حدائق مثل حديقة فريشكيلز التي نشأت على جزيرة ستاتن.

لُعبت بطولة الولايات المتحدة للتنس المفتوح في موقع مكب النفايات القديم ولم تحتوي على والضمانات البيئية المطلوبة في ذلك اليوم. على الرغم من اجتناب بعض المدن لمقالب القمامة إلا أنها رحبت بها في المجتمعات الريفية التي تجني فوائد كثيرة (وتمتلك الكثير من المساحة الخضراء وتعزل السكان عن مناظرها وروائحها). وبالتالي، لم تصل إلى النقص الكبير في مكب النفايات ولا المواد الخام التي من المفترض أن تجعل عملية إعادة التدوير مربحة.

بذهاب الأساس المنطقي لتلك السياسة من الناحية الاقتصادية التي تدافع عن إعادة التدوير قد تحولت إلى جدالات بيئية. لقد حسب الباحثون أن هناك بالفعل فوائد لإعادة التدوير ولكن ليست بالمقدار الذي يتخيله معظم الناس. ولا تنشأ معظم هذه الفوائد عن تقليل الحاجة إلى مقالب القمامة والمحارق، وقد يكون مكب النفايات الحديث المصطف بشكل جيد في منطقة ريفية له تأثير بيئي ضئيل. تطلق القمامة المتعفنة غاز الميثان وهو أحد الغازات الدفيئة القوية، ولكن بدأت أجهزة تشغيل مقالب القمامة بالسيطرة عليه واستغلاله في توليد الكهرباء، المحارق الحديثة، فبينما هي غير محببة سياسياً في الولايات المتحدة الأمريكية، ينبعث منها العديد من الملوثات التي لاقت قبول واسع النطاق في دول أوروبا الشمالية المدركة بأهمية البيئة واليابان من أجل توليد طاقة نظيفة.

وعلاوة على ذلك، عمليات إعادة التدوير لها تكلفتها البيئية مثل الشاحنات الإضافية على الطريق والتلوث الناتج عن عمليات إعادة التدوير.

 لقد تسببت منشآت صناعة السماد العضوي حول الدولة في عدد من الشكاوي بشأن روائح الغثيان وكثرة الفئران وبراز طيور النورس فبعدما بدأت مدينة نيو يورك بإرسال بقايا الطعام  ليتم تحويلها إلى سماد في مدينة ديلاوير، قامت الدول غير الراضية عن مصانع السماد بحملة ناجحة لإغلاق تلك المنشآت في العام الماضي.

تنشأ المنافع البيئية لإعادة التدوير بصورة رئيسية من خلال تقليل الحاجة إلى تصنيع منتجات جديدة: أقل تعديناً وحفراً واحتطاباً ولكن لم يكن ذلك مُرضياً للعمال في تلك الصناعات والمجتمعات المحلية التي وافقت على المقايضات المرتبطة بتلك الوظائف.

غير أن الجميع تقريبا يتوافقون على الاستفادة الوحيدة من إعادة التدوير وهي الحد من انبعثات الغازات الدفيئة وكثيراً ما يذكر مناصروها تقدير منظمة حماية البيئة  أن إعادة تدوير النفايات الصلبة  في الولايات المتحدة تحد ما يعادل 186 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بتقليل انبعاثات 39 مليون سيارة.

فطبقاً لتقديرات منظمة حماية البيئة، في الواقع يأتي أكثر من 90% من فوائد الغازات الدفيئة من خلال بعض المواد الخام مثل: الأوراق والكرتون ومعادن مثل الألومنيوم التي تتكون منه علب الصودا. ذلك لأن إعادة تدوير طن من المعدن أو الورق يوفر ثلاثة أطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون، أكثر فائدة من المواد الخام الأخرى طبقاً لتحليل منظمة حماية البيئة حيث يوفر إعادة تدوير طن فقط من البلاستيك أكثر قليلًا من طن واحد من ثاني أكسيد الكربون أما بقايا الطعام توفر أقل من طن وبالنسبة للزجاج يجب أن تعيد تدوير ثلاثة أطنان لكي تحصل على طن تقريباً من فوائد الغازات الدفيئة، وأسوأ ما في الأمر هي ساحة النفايات: تأخذ منها 20 طناً لكي توفر طناً من ثاني أكسيد الكربون.

إذا استبعدت منتجات الورق والمعادن فإن الناتج الكلي للوفورات السنوية في الولايات المتحدة الأمريكية من إعادة تدوير المخلفات المحلية الأخرى كالبلاستيك والزجاج والطعام وقصاصات العشب  والمنسوجات والمطاط والجلد يكون 0.2% من بصمة أمريكا الكربونية.

كنشاط تجاري، يعد إعادة التدوير على الخاطئ لاتجاهين لإتجاهين اقتصاديين طويلان الأمد. وعلى مدى قرون، قد ارتفعت تكلفة العمالة بينما انخفضت تكلفة المواد الخام ولذلك نستطيع تحمل شراء أشياء أكثر مما قام به أسلافنا. في حين كثافة الأيدي العاملة، تعد إعادة التدوير وسيلة باهظة الثمن على نحو متزايد لإنتاج المواد الخام التي تعتبر أقل قيمة.

وقد حاولت شركات إعادة التدوير تحسين الاقتصاد من خلال أتمتة عملية الفرز، لكنهم يشعرون بالإحباط من قبل السياسيين المتحمسين لزيادة معدلات إعادة التدوير بإضافة مواد جديدة ذات قيمة قليلة. والمزيد من أنواع القمامة التي يتم إعادة تدويرها، وكلما كانت انواع النفايات التي يعاد تصنيعها كثيرة، كلما كان الفرز بين الأشياء ذات قيمة والأشياء دون القيمة صعباً.

فى مدينة نيويورك الآن، تكون التكلفة الصافية لإعادة تدوير طن من النفايات 300$ أكثر من تكلفة دفنها بدلاً عن ذلك. ذلك يضيف ملايين إضافية من الدولارات كل عام -حوالي نصف ميزانية إدارة المنتزهات- التي يقوم مواطنو نيويورك بإنفاقها من أجل امتياز إعادة التدوير. ويمكن لهذا المال أن يشتري منافع أكثر قيمة، بما في ذلك تخفيضات أكبر قدر من  انبعاثات الغازات الدفيئة.

لذلك ما هو الوعي الاجتماعي الذي يستطيع الشخص العاقل القيام به؟
سيكون ذلك أكثر بساطة وفعالية إن فرضنا ما يعادل من ضريبة كربونية على القمامة، كما اقترح السيد توماس كينامان بعد إجراء ما قد يكون أكثر مقارنة شاملة للتكاليف الاجتماعية لإعادة التدوير والطمر والحرق.د.كينامان، هو خبير اقتصادي في جامعة باكنيل، الذي اعتبر أن كل شيء ناتج من ضرر بيئي إلى سرور بعض الناس الذين يستغرقون وقتهم في إعادة التدوير(الوهج الدافئ الذي يجعلهم مستعدين لدفع أكثر للعمل عليه).

واستنتج أنه بالنسبة للصالح العام فسوف يكون أفضل من خلال دعم إعادة تدوير بعض المعادن وفرض 15$ ضريبة على كل طن من القمامة التي تُنقل إلى مقلب القمامة. فسوف تعوض الضريبة التكاليف البيئية وتأثير الغزات الدفيئة بصورة رئيسية، وجعل كل بلدة تمضي على إقرار عدم المخالفة القائم على الاقتصاد المحلي وآمال مواطنيها. وفى النهاية، توقعات السيد كينامان ستكون إعادة التدوير أقل كثيراً من الموجودة اليوم.

إذن لماذا تتعهد العديد من المؤسسات العامة ببذل الكثير من عمليات إعادة التدوير؟ يعتبر الاهتمام الخاص للساسة سبباً -ضغط المجموعات الخضراء- وأيضاً لأن عمليات إعادة التدوير تسعى للعديد من المؤيدين لها حيث تجعلهم يشعرون بالفخر، خاصة الأغنياء اللذين يشعرون بالذنب عن التأثير البيئي الكبير المتسببون فيه. إنها أقل فعالية من الطقوس الدينية مثل تلك التي يقوم بها الكاثوليك لتُغفر ذنوبهم.

لا تحتاج الطقوس الدينية أي مبرر عملي بالنسبة للمؤمنين اللذين يقومون بها طوعاً ولكن شركات إعادة التصنيع ترغب في أكثر من مجرد ممارسة حرية دينية. فهم يرغبون فى جعل تلك الطقوس إلزامية للآخرين، وأيضاً وضع غرامات للمذنبين اللذين لا يقومون بها على نحو مناسب. لقد أصبحت سياتل أكثر عدوانبية لكي تتم مقاضاة المدینة من قبل السکان اللذين يحافظون على تأصيل المفتشين للقمامة الخاصة بهم فهي تنتهك حقهم الدستوري بالنسبة للخصوصية.

سوف يقوم حشد من شرطة القمامة بجعل المجتمع خالياً من القمامة عن طريق القوة ولكن المؤمنين الحقيقيين يصرون على أن هذا هو المستقبل، بينما وعد رئيس بلدية دي بلاسيو بالقضاء على القمامة في نيويورك، حيث قال إنه من "المضحك" و"عفا عليه الزمن" إرسال النفايات إلى مقالب القمامة وصرح أن إعادة التدوير هي أول الطرق لجعل نيويورك "مدينة مستدامة حقاً".

فعلى الرغم من دفن المدن للقمامة لآلاف السنين إلا أنها أيضاً لا تزال الوسيلة الأسهل والأرخص، فحركة إعادة التدوير متخبطة وبقائها يعتمد على استمرارية التمويل، المواعظ وحفظ النظام، كيف يمكنك بناء مدينة مستدامة ذات استراتيجية لا تستطيع حتى الحفاظ على نفسها؟

جون تيرني هو كاتب عمود النتائج لقسم نيويورك تايمز للعلوم والمؤلف المشارك في كتاب "قوة الإرادة: إعادة اكتشاف أعظم قوة بشرية."

ترجمة: عبدالحميد خالد

الرابط مصدر المقال

Rana Ali Khalil Hassan

Rana Ali Khalil Hassan

مترجمين المقال